جعل إليكم مهاجرته ، وفيكم محل أزواجه ، فليس أحد من الناس بعد المهاجرين الاولين بمنزلتكم ، فهم الامراء وأنتم الوزراء.
فقام الحباب بن المنذر الانصاري فقال : يا معشر الانصار أملكوا على أيديكم وإنما الناس في فيئكم وضلالكم ، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ، ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم ، وأثنى على الانصار ، ثم قال : فان أبي هولاء تأميركم عليهم ، فلسنا نرضى تأميرهم علينا ، ولا نقنع بدون أن يكون من أمير ومنهم أمير.
فقام عمر بن الخطاب فقال : هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد ، إنه لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم ، ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم ، ولنا بذلك على من خالفنا الحجة الظاهرة ، والسلطان البين ، فما ينازعنا في سلطان محمد صلىاللهعليهوآله ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو متجانف لاثم ، أو متورط في الهلاكة محب للفتنة.
فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال : يا معاشر الانصار أمسكوا على أيديكم ، ولا تسمعوا مقالة هذا الجاهل وأصحابه ، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الامر ، وإن أبوأن يكون منا أمير ومنهم أمير ، فأجلوهم عن بلادكم ، وتولوا هذا الامر عليهم ، فأنتم والله أحق به منهم ، فقد دان بأسيافكم قبل هذا الوقت من لم يكن يدين بغيرها ، وأنا جذيلها المحك وعذيقها المرجب ، والله لئن رد أحد قولى لاحطمن أنفه بالسيف.
قال عمر بن الخطاب : فلما كان الحباب هو الذي يجيبني لم يكن لي معه كلام ، فانه جرت بينى وبينه منازعة في حياة رسول الله صلىاللهعليهوآله فنهاني رسول الله صلىاللهعليهوآله عن مهاترته فحلفت أن لا أكلمه أبدا ، ثم قال عمر لابى عبيدة : يا أبا عبيدة تكلم فقام أبوعبيدة بن الجراح وتكلم بكلام كثير ذكر فيه فضايل الانصار فكان بشير بن سعد(١) سيدا من سادات الانصار ، لما رأى اجتماع الانصار على سعد
____________________
(١) قد مر في ص ١١١ أن بشيرا هذا كان من أصحاب الصحيفة المعهودة.