جابر بن عبدالله الانصاري وأبوسعيد الخدري وعبدالصمد بن أبي امية وعمر بن أبي سلمة وغيرهم قالوا : لما فتح النبي (ص) مكة أرسل رسله إلى كسرى وقيصر يدعوهما إلى الاسلام أو الجزية وإلا آذنا بالحرب ، وكتب أيضا إلى نصارى نجران بمثل ذلك.
فلما أتتهم رسله (ص) فزعوا إلى بيعتهم(١) العظمى وكان قد حضرهم أبوحارثة اسقفهم الاول ، وقد بلغ يومئذ مائة وعشرين سنة ، وكان يؤمن بالنبي والمسيح عليهماالسلام ويكتم ذلك عن كفرة قومه ، فقام على عصاه وخطبهم ووعظهم وألجأهم بعد مشاجرات كثيرة إلى إحضار الجامعة الكبرى التي ورثها شيث ، ففتح طرفها واستخرج صحيفة شيث التي ورثها من أبيه آدم عليهالسلام ، فألفوا في المسباح الثاني من فواصلها :
« بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا أنا الحي القيوم ، معقب الدهور ، وفاصل الامور ، سببت بمشيتي الاسباب ، وذللت بقدرتي الصعاب ، وأنا العزيز الحكيم الرحمن الرحيم ، أرحم وأترحم ، وسبقت رحمتي غضبي ، وعفوي عقوبتي ، خلقت عبادي لعبادتي وألزمتهم حجتي ».
« ألا إني باعث فيهم رسلي ، ومنزل عليهم كتبي ، ابرم ذلك من لدن أول مذكور من بشر إلى أحمد نبيي وخاتم رسلي ، ذلك الذي أجعل عليه صلواتي ورحمتي وأسلك في قلبه بركاتي ، وبه اكمل أنبيائي ونذري ».
« قال آدم : من هؤلاء الرسل؟ ومن أحمد هذا الذي رفعت وشرفت؟ قال : كل من ذريتك ، وأحمد عاقبهم(٢) ووارثهم ، قال : يارب بما أنت باعثهم ومرسلهم؟ قال : بتوحيدي ، ثم اقفي ذلك(٣) بثلاثمائة وثلاثين شريعة انظمها وأكملها لاحمد جميعا ، فأذنت لمن جاءني بشريعة(٤) منها مع الايمان بي وبرسلي أن ادخله الجنة ».
__________________
(١) البيعة : معبد النصارى واليهود.
(٢) عقب الرجل او مكان الرجل : خلفه وجاء بعده ، والمراد انه يأتي بعد الانبياء وفى آخرهم ، اى يكون خاتمهم.
(٣) أى التوحيد.
(٤) أى في الوقت الذى شرع ذلك الشريعة.