رسول الله (ص) أيام الخندق « فأرسلنا عليهم ريحا » وهي الصبا ، أرسلت عليهم حتى اكفأت قدورهم فنزعت فساطيطهم « وجنودا لم تروها » الملائكة وقيل : إن الملائكة لم يقاتلوا يومئذ ، ولكن كانوا يشجعون المؤمنين ، ويجبنون الكافرين « وكان الله بما تعملون بصيرا ».
« إذ جاؤكم » أي اذكروا حين جاءكم جنود المشركين « من فوقكم » أي من فوق الوادي قبل المشرق قريظة والنضير وغطفان « ومن أسفل منكم » أي من المغرب من ناحية مكة أبوسفيان في قريش ومن تبعه « وإذ زاغت الابصار » أي مالت عن كل شئ فلم تنظر إلا عدوها مقبلا من كل جانب ، أو عدلت الابصار عن مقرها من الدهش والحيرة كما يكون الجبان فلا يعلم ما يبصر « وبلغت القلوب الحناجر » الحنجرة : جوف الحلقوم ، أي شخصت قلوب من مكانها ، فلولا أنه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت ، عن قتادة ، وقال أبوسعيد الخدري : قلنا يوم الخندق يا رسول الله هل من شي نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر؟ فقال : قولوا : « اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا » قال : فقلناها فضرب وجوه أعداء الله بالريح ، فهزموا ، قال الفراء : المعنى أنهم جبنوا وجزع أكثرهم ، وسبيل الجبان إذا اشتد خوفه أن ينتفخ سحره ، والسحر الرية ، فإذا انتفخت الرية رفعت القلوب إلى الحنجرة « وتظنون بالله الظنونا » أي اختلفت الظنون فظن بعضهم النصر ، و بعضهم ايس وقنط(١) ، وقيل : ظن المنافقون أنه يستأصل محمد (ص) ، وظن المؤمنون أنه ينصر ، وقيل : ظن بعضهم أن الكفار تغلبهم ، وظن بعضهم أنهم يستولون على المدينة وظن بعضهم أن جاهلية تعود كما كانت ، وظن بعضهم أن ما وعد الله ورسوله من نصرة الدين وأهله غرور ، فأقسام الظنون كثيرة خصوصا ظن الجبناء(٢).
« هنالك ابتلي المؤمنون » أي اختبروا وامتحنوا « وزلزلوا زلزالا شديدا »
___________________
(١) في المصدر : فظن بعضكم بالله النصر ، وبعضكم ايس وقنط.
(٢) مجمع البيان ٨ : ٣٣٩ و ٣٤٠.