والوليد بن المغيرة ، وغيرهم من أهل مكة ، فتنهم المشركون فأعطوهم بعض ما أرادوا ثم إنهم هاجروا بعد ذلك وجاهدوا فنزلت الآية فيهم « وقلبه مطمئن » أي ساكن « بالايمان » ثابت عليه ، فلا حرج عليه في ذلك « ولكن من شرح بالكفر صدرا » أي من اتسع قلبه للكفر وطابت نفسه به « من بعد ما فتنوا » أي عذبوا في الله و ارتدوا على الكفر فأعطوهم بعض ما أرادوا ليسلموا من شرهم « ثم جاهدوا» مع النبي صلىاللهعليهوآله « وصبروا » على الدين والجهاد « إن ربك من بعدها » أي من بعد تلك الفتنة أو الفعلة التي فعلوها من التفوه بكلمة الكفر(١).
وقال في قوله تعالى : « يا عبادي الذين آمنوا » : قيل : إنها نزلت في المستضعفين من المؤمنين بمكة ، أمروا بالهجرة عنها ، ونزل قوله : « وكأين من دابة » في جماعة كانوا بمكة يؤذيهم المشركون ، فأمروا بالهجرة إلى المدينة ، فقالوا : كيف نخرج إليها وليس لنا بها دار ولا عقار؟ من يطعمنا ومن يسقينا؟ « إن أرضي واسعة » فاهربوا من أرض يمنعكم أهلها من الايمان والاخلاص في عبادتي.
وقال أبوعبدالله عليهالسلام : معناه إذا عصي الله في أرض أنت فيها فاخرج منها إلى غيرها « وكأين من دابة » أي وكم من دابة لا يكون رزقها مدخرا معدا ، وقيل : معناه لا يطيق حمل رزقها لضعفها ، وتأكل بأفواهها(٢).
وفي قوله تعالى : « من قريتك » : يعني مكة « التي أخرجتك » أي أخرجك أهلها ، والمعنى كم من رجال هم أشد من أهل مكة « أهلكناهم فلا ناصر لهم » يدفع عنهم إهلاكنا إياهم ، فما الذي يؤمن هؤلاء أن أفعل بهم مثل ذلك(٣).
قوله تعالى : «واهجرهم هجرا جميلا » ذهب المفسرون إلى أن المراد مجانبتهم ومداراتهم وعدم مكافاتهم ، ولا يبعد أن يكون المراد الهجرة من مكة إلى المدينة.
____________________
(١) مجمع البيان ٦ : ٣٨٧ و ٣٨٨.
(٢) مجمع البيان ٨ : ٢٩٠ و ٢٩١.
(٣) مجمع البيان ٩ : ١٠٠.