ولكن مهما استعصى على اولى الحجى سره فهو يدل دلالة واضحة على انّ في الانسان بشخصه الخاص جوهر مفيض وآخر مستفيض وغلاف وقشر يحمل هذين الجوهرين فالمفيض هو النفس الجزئية المتّصلة بالنفس الكلية والمبدأ الأعلى ، والمستفيض هو ذلك البدن المثالي الاثيري ، والغلاف هذا البدن العنصري ، على انّ التحقيق والبحث الدقيق أوصلنا الى حقيقة جليّة وهي أنّ هذه الحقائق الثلاث شيء واحد وأنّها تنشأ نشأة واحدة وانّ النفس جسمانية الحدوث روحانية البقاء فهي تتدرج في تكونها ونشوها ونموها من النطفة الى ان تصير انساناً كاملاً عاقلاً بل الى أن تصير عقلاً مجرداً ملكاً أو شيطاناً ، فهذا العنصري هو النفس ولكن بمرتبتها السالفة ، والنفس هي البدن ولكن بمرتبته العالية ، وكلّ ما فيه من الحواسّ الظاهرة والباطنة والقوى العاملة من الهاضمة والماسكة والدافعة والمصوّرة والمقدّرة الى غير ذلك كلّها آلات للنفس وأدوات تمدّها وتستمدها وتتعاكس معها وتتعاون أخذاً ورداً وسلباً وايجاباً فكلّ الانفعالات النفسية تظهر فورها على البدن ألا ترى حمزة الخجل وصفرة الوجل وضربان العقول وخفقان القلب عند الخوف وابتهاج البدن عند الفرح وبالعكس كلّ ما يصيب البدن من ضربة أو صدمة أو جرح تنفعل النفس به وتتألم ؟
وكلّ هذا شاهد ودليل على وحدة النفس مع
البدن ، انّ البدن المادّي والبدن الامتدادي المجرد عن المادّة والروح المجردة عنهما شيء واحد ، وهذا البدن الامتدادي الاثيري هو همزة الوصل بين الروح المجردة عن المادة ذاتاً المتعلقة بها تصرفاً وبين البدن المادّي ذاتاً والذي هو آلة الروح تعلّقاً وتصرفاً وهو الذي تجد
الاشارة عنه حيناً والتصريح به حيناً آخر في كلمات أكابر الفلاسفة الأقدمين والحكماء الشامخين والعرفاء السالكين مثل قول أرسطو فيما نقل عنه : أنّه ربما خلوت بنفسي وخلعت بدني وصرت كانّي جوهر مجرد بلا بدن فأكون داخلاً في