عند الحكماء بل عند كل ذي لب : أنّ الشيء بصورته لا بمادته اذاً فأين تقع شبهة ( الآكل والمأكول ) ؟ وكيف يمكن تصويرها وتقريرها فضلا عن الحاجة الى دفعها والجواب عنها ؟ وكيف استكبرها ذلك الحكيم الكبير الالهي فقال : ( يدفعها من كان من فحول ) ؟ ويزيدك وضوحاً لهذا : أنّ جميع المركبات العنصرية يطرّد فيها ذلك الناموس العامّ : ناموس التحوّل والتبدل والدثور والتجدد ، انظر حبة العنب مثلاً فهل هي الأماء وسكر ؟ وهل فيها شيء من الخمر أو الخل أو الكحول ؟ ولكنّها بالاختمار تصير خلاً ثم خمراً ثم غازاً أو بخاراً وهكذا ، أترى أنّ العنب صار جزءاً من الخل والخل صار جزءاً من الخمر ؟ اذاً فمن أين جاءت شبهة الآكل والمأكول التي لا يدفعها الاّ من كان من الفحول ؟ ومن أين اتّجه القول بأنّ لحم الكافر يصير جزءاً من بدن المؤمن ولحم المؤمن جزءاً من بدن الكافر ؟ لا أدري.
٢ ـ فصل ووصل
لعلّك تقول : اذا كان هذا الهيكل الانسانى عبارة عن صور متعاقبة يتلو بعضها بعضاً ويتصل بعضها ببعض اذاً فشخصية كل فرد من هذا النوع بماذا تتحقق ؟ وتعينّة بأي شيء يكون ؟ والمادّة بنفسها غير متحصلة فكيف يتحصل بها غيرها وهي صرف القوّة والاستعداد ؟ فنقول : فليكن هذا أيضاً من أحد الادلة على وجود النفس المجرّدة ذاتاً الماديّة تعلقاً وتصرفاً وتشخّص كلّ فرد وتعينّه انّما يكون بتلك النفس التي تتعلق بتلك الصوّر المختلفة المتعاقبة بنحو الاتصال على المادّة المبهمة والهيولى الاولى التي لا توجد ولا تخرج من القوة الى الفعل الاّ بصورة من الصور وهي متحدّة معها وجوداً منفكة عنها تعقلاً ومفهوماً والنفس الجزئية المستمدة من النفوس الكلية حافظة لها معاً وهي أيضاً متحدة بهما وجوداً ومتصلة بهما ذاتاً وتواكب وتصاحب كل تلك الصور المتعاقبة على نحو الاتّصال والواحد السيّال.