المدبرة للكائنات والمربيّة للعوالم تلك العناية التي تحير العقول وتدهش الالباب ؛ فتجعل من ذلك الدم لحماً وعظماً وشحماً وعصباً واليافاً وعروقاً وكبداً وقلباً ورية وطحالاً الى آخر ما يحتوى ويتكوّن منه هذا الهيكل الانساني والجسد الحيواني ، اضرب باجواء فكرك ما اتّسع لك التفكير وأعرف سرّ قولهم عليهم آلاف التحية والتسليم ( تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة ) فكّر وكبّر عظمة المبدع كيف أنشأ من كسرة الخبز التي نأكلها سبعين نوعاً من الانواع المختلفة والاجناس المتبائنة : فأين العظم من اللحم ، وأين الشحم من الغاز ، وأن الغاز من المخ ، وأين المخ من الشعر ، وهكذا ، وهلم جرّاً.
كلّ هذا تكون من لقمة الخبز التي نأكلها
، فهل في لقمة الخبز كل هذه الانواع مندمجة مطويّة ؟ أم انقلبت وتحولت من صورة الى صورة ومن حقيقة الى أخرى ؟ أو أنّها كانت معدة للنطفة بأن تفيض العناية اليها صورة العلقة والمضغة وهكذا حتى تصير انساناً كاملاً ؟ كل ذلك مما تقف عنده العقول حائرة خاسرة مهما سطروا وحرّروا ، وألّفوا وصنفوا ، فانّهم دون الحقيقة وقفواغ ، وعنها صرفوا ، ولكن مهما تغلغل الامر والواقع في مجاهل الغيب والخفاء فانّ من الواضح الجلي أنّ تلك اللقمة التي تدخل في جوفنا وتتصرف بها المشية تلك التصاريف المتنوعة لم تدخل هي في كياننا ، ولم تصر جزءاً من اجسامنا ، بل تطورت عدة أطوار وتعاورتها صورة بعد صورة ، دخلت في معامل مكانيكية وتحليلات كيمياوية الى أن بلغت هذه المرحلة ونزلت من أجسامنا بتلك المنزلة ، فلو أنّ مومناً أكل كل لحم في بدن الكافر ، أو أكل الكافر كل لحم في بدن المؤمن فلا لحم الكافر صار جزءاً من بدن المؤمن ولا لحم المؤمن دخل في بدن الكافر ، بل اللحم لما دخل في الفم وطحنته الاسنان وهو الهضم الاول زالت الصورة اللحمية منه وارتحلت الى رب نوعها حافظ الصور واكتست المادة صورة أخرى ، وهكذا صورة بعد صورة ، ومن القواعد المسلّمة