خديجة : وما هذا النور؟ قال : هذا نور النبوة ، قولي : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، فقالت طال ما قد عرفت ذلك ، ثم أسلمت ، فقال : يا خديجة إني لاجد بردا ، فدثرت عليه فنام فنودي : « يا أيها المدثر » الآية ، فقام وجعل إصبعه في اذنه وقال : الله أكبر ، الله أكبر فكان كل موجود يسمعه يوافقه.
وروي أنه لما نزل قوله : « وأنذر عشيرتك الاقربين (١) » صعد رسول الله ذات يوم الصفا فقال : يا صباحاه (٢) ، فاجتمعت إليه قريش فقالوا : مالك؟ قال : أرأيتكم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ما كنتم تصدقونني؟ قالوا : بلى ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبولهب : تبا لك ألهذا دعوتنا؟! فنزلت سورة تبت (٣).
قتادة : إنه خطب ثم قال : « أيها الناس إن الرائد لا يكذب أهله ، ولو كنت كاذبا لما كذبتكم ، والله الذي لا إله إلا هو إني رسول الله إليكم حقا خاصة ، وإلى الناس عامة والله لتموتون كما تنامون ، ولتبعثون كما تستيقظون ، ولتحاسبون كما تعملون ، و لتجزون بالاحسان إحسانا ، وبالسوء سوءا ، وإنها الجنة أبدا ، والنار أبدا وإنكم أول من انذرتم » ثم فتر الوحي فجزع لذلك النبي صلىاللهعليهوآله جزعا شديدا ، فقالت له خديجة : لقد قلاك (٤) ربك ، فنزل سورة الضحى (٥) ، فقال لجبرئيل : ما يمنعك أن تزورنا في كل
__________________
(١) تقدم الايعاز إلى موضع الاية وغيرها في صدر الباب.
(٢) قال الجزرى في النهاية ٢ : ٢٧١ : فيه لما نزلت « وأنذر عشيرتك الاقربين » صعد على الصفا وقال : يا صبا حاه ، هذه كلمة يقولها المستغيث ، وأصلها إذا صاحوا للغارة ، لانهم اكثر ما كانوا يغيرون عند الصباح ، ويسمعون يوم الغارة يوم الصباح ، فكأن القائل : يا صباحاه يقول : قد غشينا العدو ، وقيل : ان المتقاتلين كانوا إذا جاء الليل يرجعون عن القتال ، فاذا عاد النهار عاودوه ، فكأنه يريد بقوله : يا صباحاه قد جاء وقت الصباح فتأهبوا للقتال.
(٣) سورة : ١١١.
(٤) لم نظفر في غير ذلك الطريق أن يسند ذلك إلى خديجة عليها سلام الله. والمذكور في مجمع البيان وغيره في نزول الاية إسناد ذلك القول إلى المشركين ، وفى بعض الروايات إلى أم جميل امرأة أبى لهب ، والمعلوم من حال خديجة أنها كانت من المصدقين له صلىاللهعليهوآله من أول يوم ، وكانت تراعى نهاية الادب في تكليمها معه وعشرتها أياه صلىاللهعليهوآله ، فالنسبة غير خالية عن البعد والغرابة فتأمل.
(٥) سورة : ٩٣.