وصحة نبوته : أحدها : أنه أخبر عما في نفوس أعدائه ، وما جرى على ألسنتهم ، ولم يكن بلغه ذلك فكان كما أخبره.
وثانيها : أنه قال : « أعطيناك الكوثر » فانظر كيف انتشر دينه ، وعلا أمره ، و كثرت ذريته حتى صار نسبه أكثر من كل نسب ، ولم يكن شئ من ذلك في تلك الحال.
وثالثها : أن جميع فصحآء العرب والعجم قد عجزوا عن الاتيان بمثل هذه السورة على وجازة ألفاظها مع تحديه (١) إياهم بذلك ، وحرصهم على بطلان أمره منذ بعث صلىاللهعليهوآله إلى يوم الناس هذا ، وهذا غاية الاعجاز.
ورابعها : أنه سبحانه وعده بالنصر على أعدائه ، وأخبره بسقوط أمرهم وانقطاع دينهم ، أو عقبهم ، فكان المخبر على ما أخبر به هذا ، وفي هذه السورة الوجيزة من تشاكل المقاطع للفواصل ، وسهولة مخارج الحروف بحسن التأليف والتقابل لكل من معانيها بما هو أولى به ما لا يخفى على من عرف مجارى كلام العرب (٢).
١ ـ لى : ابن الوليد ، عن ابن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن إسماعيل الجعفي أنه سمع أبا جعفر يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : اعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي : جعلت لي الارض مسجدا وطهورا ، واحل لي المغنم ، ونصرت بالرعب ، واعطيت جوامع الكلام ، واعطيت الشفاعة (٣).
بيان : قوله صلىاللهعليهوآله : مسجدا ، أي مصلى بخلاف الامم السابقة فإنهم كانوا لا يجوز لهم الصلاة اختيارا إلا في بيعهم وكنائسهم ، أو ما يصح السجود عليه ، والاول أشهر « وطهورا » أي ما يتطهر به من الاحداث بالتيمم ، ومن الاخباث لبعض الاشيآء كباطن القدم والخف ، ومخرج النجو في الاستنجآء بالاحجار والمدر ، والمغنم بالفتح : ما يصاب
____________________
(١) تحدى الرجل : باراه وغالبه. والمبارات : المسابقة. والنبى صلىاللهعليهوآله دعاهم إلى الاتيان بمثل القرآن ، وأخبرهم بأنهم لم يمكنهم ذلك.
(٢) مجمع البيان ١٠ : ٥٤٩ و ٥٥٠.
(٣) أمالي الصدوق : ١٣٠.