أو أمسك بغير حساب » وقال لرسول الله (ص) : « ما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا » (١).
وفي قوله تعالى : « هو الذي بعث في الاميين » يعني العرب ، وكانت امة امية لا تكتب ولا تقرأ ، ولم يبعث إليهم نبي ، وقيل : يعني أهل مكة ، لان مكة تسمى ام القرى « رسولا منهم » يعني محمدا صلىاللهعليهوآله ، نسبه نسبهم ، وهو من جنسهم ، ووجه النعمة في أنه جعل النبوة في امي موافقة لما تقدمت البشارة به في كتب الانبياء السالفة ، ولانه أبعد من توهم الاستعانة على ما أتى به من الحكمة بالحكم التي تلاها ، والكتب التي قرأها ، وأقرب إلى العلم بأن ما يخبرهم به من أخبار الامم الماضية والقرون الخالية على وفق ما في كتبهم ليس ذلك إلا بالوحي « يتلو عليهم آياته » أي يقرأ عليهم القرآن « ويزكيهم » أي ويطهرهم من الكفر والذنوب ، ويدعوهم إلى ما يصيرون به أزكيآء « ويعلمهم الكتاب والحكمة » الكتاب : القرآن ، والحكمة : الشرايع ، وقيل : إن الحكمة تعم الكتاب والسنة وكل ما أراده الله تعالى ، فإن الحكمة هي العلم الذي يعمل عليه فيما يجتبى ، أو يجتنب من امور الدين والدنيا « وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين » معناه وما كانوا من قبل بعثه إليهم إلا في عدول عن الحق ، وذهاب عن الدين بين ظاهر « وآخرين منهم » أي ويعلم آخرين من المؤمنين « لما يحلقوا بهم » وهم كل من بعد الصحابة إلى يوم القيامة فإن الله سبحانه بعث النبي صلىاللهعليهوآله إليهم ، وشريعته تلزمهم ، وإن لم يلحقوا بزمان الصحابة ، وقيل : هم الاعاجم ومن لا يتكلم بلغة العرب ، وروي ذلك عن أبي جعفر عليهالسلام ، وروي أن النبي صلىاللهعليهوآله قرأ هذه الآية فقيل له : من هؤلاء؟ فوضع يده على كتف سلمان وقال : لو كان الدين (٢) في الثريا لنالته رجال من هؤلاء.
وعلى هذا فإنما قال : « منهم » لانهم إذا أسلموا صاروا منهم ، وقيل : إن قوله : « لما يحلقوا بهم » يعني في الفضل والسابقة ، فإن التابعين لا يدركون شأن السابقين من
____________________
(١) مجمع البيان ٩ : ٢٦١. أقول : تقدم حديث الشحام وما بمعناه وشرح له في ج ١٤ : ٨٥ ـ ٨٧.
(٢) في المصدر : لو كان الايمان.