سيفه ليسقيه سما فأجابوه إلى ذلك وافترقوا ، ثم اجتمعوا بايلة (١) ، وخرجوا بجمالهم محملة بالتجارة ، وساروا حتى وصلوا مكة ، فلما دخلوها سمعوا من ورائهم صوتا وهو يقول :
قصدتم لازر القوم في السهر والجهر |
|
تريدون مكرا بالمعظم في القدر |
ومن غالب الرحمن لا شك إنه |
|
سيرميه باريه بقاصمة الظهر |
ستضحون يا شر الانام كأنكم |
|
نعام اسيقت للذباحة والنحر |
فلما سمعوا كلام الهاتف هالهم ذلك وهموا بالرجوع ، فقال لهم هيوبا : لا تخافوا من كلام هذا الهاتف ، فإن هذا الوداي قد كثر فيه الكهان والشياطين ، وإن هذا الهاتف هو شيطان قد علم قصدكم فعند ذلك تبادر القوم ، فكان كل من لقاهم يحدثهم بحسن عبدالهل وجماله ، فوقع في قلوبهم الكمد (٢) والحسد ، فجعلوا يسومون متاعهم ولا يبيعون منه شيئا ، وإنما يريدون بذلك المقام بمكة والحيلة في قتل عبدالله فأقبل يوما عبدالمطلب وهو قابض على يده ولده عبدالله ، ومر باليهود ، وكان عبدالله قد رأى رؤيا أفزعته ، فخرج مرعوباً إلى أبيه فقال : ما أصابك يا بني (٣)؟ قال : رؤيا هالتني ، قال : رأيت سيوفا مجردة في أيدي قردة وهم قعود على أدبارهم ، وأنا أنظر إليهم وهم يهزون السيوف ويشيرون بها إلي فعلوت عنها (٤) في الهواء ، فبينما أنا كذلك وإذا بنار قد نزلت من السماء فزادتني خوفا ، وقلت : كيف خلاصي منها؟ فبينما أنا كذلك وإذا بالنار قد وقعت على القردة فأحرقتهم عن آخرهم ، فزادني ذلك رعبا ، فقال له أبوه : وقاك الله يا بني شرما تحاذر من الحساد والاضداد (٥) ، فإن الناس يحسدونك على هذا النور الذي في وجهك ، ولكن
_________________
(١) ثم اجتمعوا اليه خ ل ، وفي المصدر : وافترقوا على انهم يجتمعون بلية.
(٢) الكمد : الحزن والنعم الشديد. وفي المصدر بعد ذلك : إلى أن وصلوا مكة. فلم يظهر ليهم أحد بما في نفوسهم : وظنوا أنهم تجار ، وجعلوا يسومون.
(٣) ما الذى بك يا بنى خ ل ، وكذا في المصدر ، وفيه بعد ذلك : صرف الله عنك المحذور ، و وقاك ما تخافه من الشرور.
(٤) في المصدر : فعلوت عنهم.
(٥) وقاك الله يا بنى البلاء خ ل وفي المصدر : الرصاد مكان الاضداد.