ولم يشمت بي الاعداء وأهل العناد ) ، فبينما هم كذلك إذ سمعوا هاتفا من داخل الكعبة وهو يقول : ( قد قبل الله منكم الفداء ، وقد قرب خروج المصطفى ) ، فقالت قريش : بخ بخ لك يا أبا الحارث ، هتفت بك وبابنك الهواتف ، وهم الناس بذبح الابل ، فقال عبدالمطلب : مهلا أراجع ربي مرة اخرى ، فإن هذه القداح تصيب وتخطئ ، وقد خرجت على ولدي تسع مرات متواليات ، وهذه مرة واحدة ، فلا أدري ما يكون من الثانية (١) ، اتركوني أعاود ربي مرة واحدة ، فقالوا له : افعل ما تريد ، ثم إنه استقبل الكعبة وقال : ( اللهم سامع الدعاء ، وسابغ النعم ، ومعدن الجود والكرم ، فإن كنت يا مولاي مننت علي بولدي هبة منك فاظهرلنا برهانة مرة ثانية ) ثم أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على الابل ، فأخذت فاطمة ولدها وذهبت به إلى بيتها وأتى إليه الناس من كل جانب ومكان سحيق ، وفج عميق (٢) يهنؤنها بمنة الله عليها ، ثم أمر عبدالمطلب أن تنحر الابل فنحرت عن آخرها وتناهبها الناس ، وقال لهم : لا تمنعوا منها الوحو الطير (٣) ، وانصرفت فجرت سنة في الدية مأة من الابل إلى هذا الزمان ، ومضى عبدالمطلب وأولاده ، فلما رأته الكهنة والاحبار وقد تخلص خاب أملهم ، فقال بعضهم لبعض : تعالوا تسع في هلاكه (٤) من حيث لا يشعر به أحد ، فقال كبيرهم وكان يسمى ربيان وكانوا له سامعين فقال لهم : اعملوا طعاما وضعوا فيه سما ، ثم ابعثوا به إلى عبدالمطلب على حال الهدية إكراما لخلاص ولده ، فعزم القوم على ذلك فصنعوا طعاما ووضعو فيه سما ، وأرسلوه مع نساء متبرقعات إلى بيت عبدالمطلب ، وهنو خافيات أنفسهم بحيث لا تعلم إحذاهن ، فقرعوا الباب فخرجت إليهم فاطمة ورحبت بهن ، وقالت : من أين أنتن؟
_________________
(١) في الثانية خ ل وهكذا في المصدر.
(٢) السحيق : البعيد. وفج عميق : طريق بعيدة غامضة.
(٣) يوجد ذكر القصة بتمامها في السيرة لابن هشام : ١ : ١٦٤ ١٦٨ ، وتاريخ الطبرى : ١ وفيهما : أن عبدالمطلب ضرب على الابل وعلى ابنه عبدالله القداح ثلاث مرات حين خرج القدح على لابل.
(٤) في المصدر : تعالوا نعمل حيلة في هلاكه.