ويحكم ما يريد ، فأمسك الناس عنه ، ثم أضاف إلى الثمانين عشرة وجعل يقول : ( يا رب إليك المرجع ، وأنت ترى وتسمع ) ثم أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على عبدالله ، فوقع عبدالمطلب مغشيا عليه ، فلما أفاق قال : ( واغوثاه إليك يا رب ) وجذب ابنه للذبح وضجت الناس بالبكاء والعويل رجالا ونساء ، فعند ذلك صاح عبدالهل في وثاقه (١) وقال : يا أبت أما تستحيي من الله؟ كم ترد أمره وتلح عليه؟ هلم إلي فانحرني فإني قد خجلت من تعرضك إلى ربك في حقي ، فإني صابر على قضائه وحكمه ، وإن كنت يا أبت لا تقدر على ذلك من رقة قلبك علي يا ابتاه فخذ بيدي ورجلي واربطهما بعضهما إلى بعض ، وغط وجهي لئلاترى عينك عيني ، واقبض ثيابك عن دمي لكيلا تتلطخ بالدم ، فتكون إذا لبست أثوابك تذكرك الحزن علي يا أبت ، واوصيك يا أبتاه بامي خيرا ، فإني أعلم أنها بعدي هالكة لا محالة من أجل حزنها علي فسكنها وسكن دمعتها ، وإني أعلم أنها لا تلتذ بعدي بعيش ، وأوصيك بنفسك خيرا ، فإن خفت ذلك فغمض عينيك فإنك تجدني صابرا ، ثم قال عبدالمطلب : يعز علي يا ولدي كلامك هذا ، ثم بكى حتى اخضلت لحيته بالدموع ، ثم قال : ( يا قوم ما تقولون؟ كيف أتعرض على ربي في قضائه؟ وإني أخاف أن ينتقم مني (٢) ، ثم قام ونهض إلى الكعبة فطاف بها سبعا ودعا الله ومرغ وجهه وزاد في دعائه ، وقال : ( يا رب امض أمرك فإني راغب في رضاك (٢) ) ثم زاد على الابل عشرة فصارت مأة ، وقال : من أكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له ، ثم قال : ( رب ارحم تضرعي وتوسلي وكبري ) ثم أمر صاحب القداح أن يضربها ، فضربها فخرج السهم على الابل ، فنزع الناس عبدالله من يد أبيه ، وأقبلت الناس من كل مكان يهنؤنه بالخلاص ، وأقبلت أمه وهي تعثر (٤) في أذيالها فأخذت ولدها وقبلته وضمته إلى صدرها ، ثم قالت : ( الحمد لله الذي لم يبتلني بذبحك ،
_________________
(١) الوثاق : ما يشد به من يد وحبل ونحوهما.
(٢) في المصدر : فانى أستحيى اعاوده اخرى فينتقم منى.
(٣) في المصدر : ما أنا راغب عن قضائك.
(٤) أى تسقط.