فلما أصبحت جلست بين يدي الزرقاء فقالت : ما لي أراك مغمومة؟ قالت لها : يا اختاه إن الذي نزل بي من الهموم والغموم لخروجي من الاوطان ، وذهابي من البلدان ، وتشتتتي في كل مكان ، وتفردي عن الخلان ، قالت لها : ولم ذلك؟ قالت لها : يا ويلك من حامل مولود (١) ، يدعو إلى أكرم معبود ، يكسر الاصنام ، ويذل السحرة والكهان ، يخرب الديار ، ولا يترك بملكة أحدا من ذوي الابصار ، وأنت تعلمين أن القعود (٢) على النار ، أيسر من الذل والصغار ، فلو وجدت من يساعدني على قتل آمنة بذلت له المنا ، وأعطيته الغنا (٣) ، وعمدت إلى كيس (٤) كان معها فأفرغته بينيدي تكنا (٥) ، وكان ما لا جزيلا ، فلما نظرت تكنا (٦) إلى المال لعب بقلبها ، وأخذ بعقلها (٧) ، وقالت لها : يا زرقاء لقد ذكرت أمرا عظيما ، وخطبا جسيما ، والوصول إليه بعيد ، وإني ماشطة لجملة نساء بني هاشم ، ولا يدخل عليهن غيري ، ولكن سوف افكر لك فيما ذكرت ، وكيف اجسر على ما وصف ، والوصول إلى ما ذكرت ، قالت الزرقاء : إذا دخلت على آمنة وجلست عندها فاقبضي على ذؤائبها ، واضربيها بهذا الخنجر ، فإنه مسموم ، فإذا اختلط الدم بالسم هلكت ، فإذا وقع عليك تهمة ، أو وجب عليك دية فأنا أقوم بخلاصك ، وأدفع عنك عشر ديات غير الذي دفعته إليك في وقتي هذا ، فما أنت قائلة؟ قالت : إني اجبتك ، لكن اريد منك اليلة بأن تشغلي بني هاشم عني ، قالت الزرقاء : إني هذه الساعة (٨) آمر عبيدي أن يذبحوا الذبائح ، ويعملوا الخمور ، ويطرحوها في الجفان ، فإذا أكلوا وشربوا من ذلك ظفرت بحاجتك ، قالت لها تكنا (٩) : الآن تمت الحيلة ، فافعلي ما ذكرت ، فصنعت
_________________
(١) من حاملة بمولود بمولود خ ل ، وفي المصدر : من جهة مولود.
(٢) التلوح خ ل وهو الموجود في المصدر.
(٣) في المصدر : بذلت له الغنا ، وأعطيت المنا. قلت في عبارة الكتاب ومصدره تصحيف ، والصحيح : المنى ، والغنا اما مصحف الغناء أوالغنى.
(٤) في المصدر : إلى مزود ، قلت : المزود : ما يوضع فيه الزاد.
(٥ و ٦) قد عرفت أن الصحيح : تكنى.
(٧) أخذ الشيطان بقلبها خ ل وفي المصدر : لما نظرت تكنى إلى المال أخذ لبها وعقلها.
(٨) اريد هذه الساعة خ ل.
(٩) قد عرفت ان الصحيح : تكنى.