الملك جائك سيد قريش ، الذي يطعم إنسها في الحي (١) ، ووحشها في الجبل ، فقال : ائذن له ، وكان عبدالمطلب رجلا جسيما جميلا ، فلما رآه أبويكسوم أجله أن يجلسه تحته (٢) ، وكره أن يجلسه معه على سريره ، فنزل من سريره فجلس على الارش ، و أجلس عبدالمطلب معه ، ثم قال : ما حاجتك؟ قال : حاجتي مأتا بعيرلي أصابتها مقدمتك ، فقال أبويكسوم : والله لقد رأيتك فأعجبتني ، ثم تكلمت فزهدت فيك (٣) ، فقال : ولم أيها الملك؟ قال : لاني جئت إلى بيت عزكم ومنعتكم (٤) من العرب ، وفضلكم في الناس ، وشرفكم عليهم ، ودينكم الذي تعبدون ، فجئت لاكسره ، واصيبت لك مأتابعير ، فسألتك عن حاجتك فكلمتني في إبلك ، ولم تطلب إلي في بيتكم ، فقال له عبدالمطلب : أيها الملك إنما اكلمك فيما لي (٥) ، ولهذا البيت رب هو يمنعه ، لست أنا منه في شئ ، فراع ذلك أبا يكسوم ، وأمر برد إبل عبدالمطلب عليه ، ثم رجع وأمست ليلتهم تلك ليلة كالحة نجومها ، كأنها تكلمهم كلاما لاقترابها منهم ، فأحست نفوسهم بالعذاب ، وخرج دليلهم حتى دخل الحرم وتركهم ، وقام الاشعريون وخثعم وكسروا رماحهم و سيوفهم ، وبرءوا إلى الله أن يعينوا على هدم البيت ، فباتوا كذلك بأخبث ليلة ، ثم أدلجوا بسحر (٦) ، فبعثوا فيلهم يريدون أن يصبحوا بمكة ، فوجهوه إلى مكة ، فربض ، فضربوه فتمرغ فلم يزالوا كذلك حتى كادوا أن يصبحوا ، ثم إنهم أقبلوا على الفيل فقالوا : لك الله أن لانوجهك إلى مكة ، فانبعث فوجهوه إلى اليمن راجعافتوجه يهرول فعطفوه حين رأوه منطلقا حتى إذا ردوه إلى مكانه الاول ربض ، فلما رأوا ذلك عادوا إلى القسم فلم يزالوا كذلك يعالجونه حتى إذا كان من طلوع الشمس طلعت عليهم الطير
_________________
(١) الحى : محلة القوم.
(٢) في المصدر : أعظمه أن يجلسه تحته.
(٣) أى رغبت عنك.
(٤) المنعة : العز والقوة.
(٥) في المصدر أنا اكلمك فيمالى.
(٦) أى ساروا قريبا من السحر.