يسيل دمه ودماغه وأخبره بذلك ، وقال : يا أيوب لو رأيت بنيك كيف عذبوا وكيف قلبوا؟ فكانوا منكسين على رؤوسهم يسيل دماؤهم ودماغهم من أنوفهم وأشفارهم وأجوافهم (١) ولو رأيت كيف شقت بطونهم فتناثرت أمعاؤهم لتقطع قلبك ، فلم يزل يقول هذا ونحوه ويرققه حتى رق أيوب عليهالسلام فبكى وقبض قبضة من التراب فوضعها على رأسه ، فاغتنم إبليس ذلك فصعد سريعا بالذي كان من جزع أيوب مسرورا به ، ثم لم يلبث أيوب أن فاء (٢) وأبصر فاستغفر (٣) وصعد قرناؤه من الملائكة بتوبته ، فبدروا إبليس إلى الله تعالى ـ وهو أعلم ـ فوقف (٤) إبليس خاسئا ذليلا فقال : يا إلهي إنما هون على أيوب خطر المال والولد أنه يرى أنك ما متعته بنفسه فأنت تعيد له المال والولد ، فهل أنت مسلطي على جسده فإني لك زعيم لئن ابتليته في جسده لينسينك وليكفرن بك وليجحدن نعمتك ، فقال الله عزوجل : انطلق فقد سلطتك على جسده ، ولكن ليس لك سلطان على لسانه ولا على قلبه ولا على عقله ، وكان الله هو أعلم به لم يسلطه عليه إلا رحمة ليعظم له الثواب وجعله عبرة للصابرين ، (٥) وذكرى للعابدين ، في كل بلاء نزل ليأنسوا به (٦) بالصبر ورجاء الثواب.
فانقض عدو الله تعالى سريعا فوجد أيوب عليهالسلام ساجدا فعجل قبل أن يرفع رأسه فأتاه من قبل الارض في موضع وجهه ، فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جسده ، فرهل (٧) وخرج به من فرقة إلى قدمه ثآليل مثل أليات الغنم ، ووقعت فيه حكة لا يملكها ، فحك بأظفاره حتى سقطت كلها ، ثم حكها بالمسوح (٨) الخشنة حتى قطعها ، ثم حكها بالفخار
__________________
(١) في المصدر : وكيف قلب بهم القصر ، وكيف نكسوا على رؤوسهم تسيل دماؤهم وأدمغتهم من انوفهم وشفاهم.
(٢) أى رجع وتاب.
(٣) في المصدر : فاستغفر وشكر.
(٤) في المصدر : فبادروا ابليس وسبقوه إلى الله والله أعلم بما كان ، فوقف اه.
(٥) في المصدر : يجعله عبرة للصابرين.
(٦) هكذا في الكتاب ، والصحيح كما في المصدر : ليتأسوا به.
(٧) في الصحاح : رهل لحمه أى اضطرب واسترخى. وفى المصدر : ذهل وهو مصحف.
(٨) المسح : الكساء من شعر.