تعالى أزال عنها ما فيها من الحر والاحراق وأبقى ما فيها من الاضاءة والاشراق. وثانيها : أنه سبحانه خلق في جسم إبراهيم كيفية مانعة من وصول أذى النار إليه كما يفعل بخزنة جهنم في الآخرة ، كما أنه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديدة المحماة ، وبدن السمندر بحيث لا يضره المكث في النار. وثالثها : أنه خلق بينه وبين النار حائلا يمنع من وصول النار إليه ; قال : المحققون : والاول أولى لان ظاهر قوله : « يا نار كوني بردا » أن نفس النار صارت باردة.
فإن قيل : النار اسم للجسم الموصوف بالحرارة واللطافة ، فإذا كانت الحرارة جزء من مسمى النار امتنع كون النار باردة ، فإذا وجب أن يقال : المراد بالنار الجسم الذي هو أحد أجزاء مسمى النار وذلك مجاز ، فلم كان مجاز كم أولى من المجازين الآخرين؟ قلنا : المجاز الذي ذكرناه يبقى معه حصول البرد ، وفي المجازين اللذين ذكر تموهما ما لا يبقى ذلك فكان مجازنا أولى. (١)
وقال الطبرسى : قال أبوالعالية : لو لم يقل سبحانه : « وسلاما » لكانت تؤذيه من شدة بردها ، ولكان بردها أشد عليه من حرها ، ولو لم يقل : « على إبراهيم » لكان بردها باقيا إلى الابد.
وقال أبوعبدالله عليهالسلام : لما أجلس إبراهيم في المنجنيق وأرادوا أن يرموا به في النار أتاه جبرئيل فقال : السلام عليك ياإبراهيم ورحمة الله وبركاته ألك حاجة؟ فقال : أما إليك فلا. فلما طرحوه دعا الله فقال : ياالله يا واحد يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، فحسرت النار عنه وإنه لمحتبى (٢) ومعه جبرئيل وهما يتحدثان في روضة خضراء ، وروى الواحدي بإسناده إلى أنس ، عن النبي (ص) قال : إن نمرود الجبار لما ألقى إبراهيم في النار نزل إليه جبرئيل بقميص من الجنة وطنفسة من الجنة فألبسه القميص وأقعده على الطنفسة وقعد معه يحدثه ; وقال كعب : ما أحرقت النار
__________________
(١) مفاتيح الغيب ٦ : ١٣١ ـ ١٣٢. م
(٢)حسرت عنه أى انكشفت عنه. احتبى بالثوب : اشتمل به. جمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها. وفى المصدر : وإنه لمحتب.