كيفما يريد ، وهذه النفس التي تزكو بزكاتها النفوس ، والقلب الذي تصفو بصفائه القلوب. وأخيراً هذه الانسانية المشعة في جميع مناحيها ، الرشيدة من كل جهاتها ، هي التي تستحق أن يضع الله بيديها زمام البشر ، وأن ينيط بها سبب هدايتهم ، ويجعلها منار رشدهم.
وظن العابثون من قريش الطامعون بما يستحيل أن يكون ، ظن هؤلاء أن النبوة حظ يجب أن يسقط على مقدار سعة الأشداق واندحاق البطون ، فمدوا أعناقهم بالرجاء. وقبضوا أكفهم على الأمل. ومادام محمد الفقير اليتيم أصبح نبياً يسدده الوحي وتلوي بطاعته الرقاب ، فان كل كبير من كبراء قريش يجب أن يكون نبياً كذلك ، يهبط عليه الوحي وتعنو له الرقاب. ولم لا ينالون هذا الحظ وهم أوفر من محمد مالا وأجهر منه صوتاً واكبر منه سناً وأربى منه عدداً ؟. وحتى قال مسرف من هؤلاء العابثين : زاحمنا بني عبد مناف في الشرف ، حتى إذا صرنا كفرسي رهان ، قالوا منا نبي يوحى إليه ، والله لانرضى به ولا نتبعه أبداً إلا إن يأتينا وحي كما يأتيه.
وفي ردّ هذه الأنفاس ولقمع هذا التطاول أنزل الله سبحانه هذه الآية الكريمة من الوحي الكريم :
( وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ) (١).
الله هو فاطر الناس ومغرّز غرائزهم ، وعالم سرهم وعلانياتهم ،
__________________
١ ـ الأنعام ، الآية ١٢٤.