العلوم إذا لم
توصلها التجربة والملاحظة الدقيقة الى حد يستحيل عليها التغير ؟
على ان نواتج العلوم مهما اختلفت حظوظها
من الصحة وتفاوتت قيمها في التجربة فهي أبداً تعضد الدين في جوهره وتؤازره على احقاق غايته ، اليست هذه النواتج ـ على تباعد صورها ـ شروحاً مفصلة تعرب عن عظمة الكون ثم عن عظمة المكون ؟
أوليست ـ بجميع اشكالها ـ تقرر ان
للعالم وحدة في المنهاج تشير الى وحدة في قوة التدبير ، والى إتقان في حكمة المدبر وسعة في علمه ؟
ثم أليست هذه الأمور بذاتها هي العقائد
الاولى التي ينهض عليها الدين ، والتي ترسو عليها دعائمه الاخرى ؟ أوليست تلك الدلالات بذاتها هي الحجج الدامغة التي يعتمدها الدين في تثبيت اصوله وتمكين شريعته ؟.
إذن فنتائج العلم كيفما اختلفت في
الصورة لاتفتأ توثق العقيدة من الدين ولا تنفك تطهر النفس الإنسانية من الرذيلة وتعدها للفضيلة ، ولا يزال طلبها عبادة وزلفة ماصدقت فيه النية وخلص فيه الجد وزكت منه الغاية.
والعلم حين ينال هذه الصبغة من الدين
يلغي حدوده الضيقة ، فلا يبقى ملكاً خالصاً للعقل ، ولا نتيجة جافة للفكر بل يتضخم ويتسع حتى يملأ جوانب النفس ، ويرهف ويستدق حتى ينفذ في طوايا القلب ، ويتحلل وينصهر حتى ينسكب في شعاب الروح ، فيكون له شمول الدين ورسوخ العقيدة وركون الايمان وقداسة العبادة من كل نفس مؤمنة تعتز بدينها وتفقه حقائقه ، وتدرك غاياته.