فقال : يا محمد أنت من ذاك الجانب ، ونحن من هذا الجانب ، فاعمل أنت على دينك و مذهبك ، إننا عاملون على ديننا ومذهبنا. « فاستقيموا إليه » أي لا تميلوا عن سبيله وتوجهوا إليه بالطاعة. (١)
وفي قوله : « والغوا فيه » أي عارضوه باللغو والباطل وبما لا يعتد به من الكلام. « لعلكم تغلبون » أي لتغلبوه باللغو والباطل ، ولا يتمكن أصحابه من الاستماع ، وقيل : الغوا فيه بالتخليط في القول والمكاء والصفير ، وقيل : معناه : ارفعوا أصواتكم في وجهه بالشعر والرجز ، عن ابن عباس والسدي : لما عجزوا عن معارضة القرآن احتالوا في اللبس على غيرهم وتواصوا بترك استماعه والالغاء عند قراءته. (٢)
وقال البيضاوي في قوله : « وما ( يلقيها؟ ) » : أي ما يلقى هذه السجية وهي مقابلة الاساءة بالاحسان « إلا الذين صبروا » فإنها تحبس النفس عن الانتقام « وما ( يلقيها؟ ) إلا ذو حظ عظيم » من الخير وكمال النفس ، وقيل : الحظ العظيم : الجنة. (٣)
« ولو جعلناه قرآنا أعجميا » جواب لقولهم : هلا نزل القرآن بلغة العجم « لقالوا لولا فصلت آياته » بينت بلسان نفقهه « ءأعجمي وعربي » أكلام أعجمي ومخاطب عربي؟ إنكار مقرر للتخصيص « اولئك ينادون من مكان بعيد » هو تمثيل لهم في عدم قبولهم و استماعهم له بمن تصيح به من مسافة بعيدة. (٤)
« شرع لكم من الدين » أي شرع لكم دين نوح ـ على نبينا وآله وعليه السلام ـ ومحمد صلىاللهعليهوآله ومن بينهما من أرباب الشرائع عليهم الصلاة والسلام ، وهو أصل المشترك فيما بينهم المفسر بقوله : « أن أقيموا الدين » وهو الايمان بما يجب تصديقه والطاعة في أحكام الله « ولا تتفرقوا فيه » ولاتختلفوا في هذا الاصل ، أما فروع الشرائع فمختلفة « وما تفرقوا » يعني الامم السالفة ، وقيل : أهل الكتاب « وإن الذين اورثوا الكتاب من بعدهم » يعني أهل الكتاب الذين كانوا في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أو المشركين الذين اورثوا القرآن من بعد أهل الكتاب « فلذلك » أي فلاجل ذلك التفرق ، أو الكتاب
____________________
(١) مجمع البيان : ٩ : ٤.
(٢) مجمع البيان ٩ : ١١.
(٣) انوار التنزيل ٢ : ٣٨٩.
(٤) انوار التنزيل ٢ : ٣٩٠.