وقال البيضاوي في قوله تعالى : « قل أروني الذين ألحقتم به شركاء » : أي لارى بأي صفة ألحقتموهم بالله في استحقاق العبادة؟ وهو استفسار عن شبهتهم بعد إلزام الحجة عليهم زيادة في تبكيتهم « وما أرسلناك إلا كافة للناس » أي إلا رسالة عامة لهم ، من الكف فإنها إذا عمتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم ، أو إلا جامعا لهم في الابلاغ ، فهي حال من الكاف والتاء للمبالغة « وما آتيناهم من كتب يدرسونها » فيها دليل على صحة الاشراك « وما أرسلنا إليهم من قبلك من نذير » يدعوهم إليه وينذرهم على تركه ، و قد بان من قبل أن لا وجه له فمن أين وقع لهم هذه الشبهة؟ « قل إنما أعظكم بواحدة » ارشدكم وأنصح لكم بخصلة واحدة هي ما دل عليه « أن تقوموا لله » وهو القيام من مجلس رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أو الانتصاب في الامر خالصا لوجه الله معرضا عن المراء و التقليد « مثنى وفرادى » متفرقين اثنين اثنين ، وواحدا واحدا ، فإن الازدحام يشوش الخاطر ويخلط القول « ثم تتفكروا » في أمر محمد صلىاللهعليهوآله وما جاء به لتعلموا حقيقته « ما بصاحبكم من جنة » فتعلموا ما به جنون يحمله على ذلك ، أو استيناف منبه لهم ، على أن ما عرفوا من رجاحة عقله كاف في ترجيح صدقه ، فإنه لا يدعه أن يتصدى لادعاء أمر خطير من غير وثوق ببرهان فيفتضح على رؤوس الاشهاد ويلقي نفسه إلى الهلاك ، فكيف وقد انضم إليه معجزات كثيرة؟! وقيل : ما استفهامية ، والمعنى : ثم تتفكروا أي شئ به من آثار الجنون؟ « قل ما سألتكم من أجر » أي شئ سألتكم من أجر على الرسالة « فهو لكم » والمراد نفي السؤال ، وقيل : ما موصولة يراد بها ما سألهم بقوله : « ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا » (١) وقوله : « لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى » (٢) واتخاذ السبيل ينفعهم ، وقرباه قرباهم « قل إن ربي يقذف بالحق » يلقيه وينزله على من يجتبيه من عباده أو يرمي الباطل فيدمغه ، أو يرمي به إلى أقطار الارض فيكون وعدا بإظهار الاسلام « وما يبدئ الباطل وما يعيد » أي زهق الباطل أي الشرك بحيث لم يبق له أثر مأخوذ من هلاك الحي ، فانه إذا هلك لم يبق له إبداء ولا إعادة ، وقيل : الباطل : إبليس أو الصنم ، والمعنى : لا ينشئ خلقا
____________________
(١) الفرقان : ٥٧.
(٢) الشورى : ٢٣.