وفي قوله : « ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها » نزلت في الذين بايعوا النبي صلىاللهعليهوآله على الاسلام ، فقال سبحانه للمسلمين الذين بايعوه : لا يحملنكم قلة المسلمين وكثرة المشركين على نقض البيعة ، فإن الله حافظكم ، أي اثبتوا على ما عاهدتم عليه الرسول وأكدتموة بالايمان ، وقيل : نزلت في قوم حالفوا قوما فجاءهم قوم وقالوا : نحن أكثر منهم وأعز وأقوى فانقضوا ذلك العهد وحالفونا. « ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها » أي لا تكونوا كالمرأة التي غزلت ثم نقضت غزلها من بعد إمرار وفتل للغزل ، وهي امرأة حمقاء من قريش ، كانت تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن ، ولا تزال ذلك دأبها ، واسمها ريطة بنت عمرو بن كعب ، وكان تسمى خرقاء مكة « أنكاثا » جمع نكث ، وهو الغزل من الصوف والشعر يبرم ثم ينكث وينقض ليغزل ثانية « تتخذون أيمانكم دخلا بينكم » أي دغلا وخيانة ومكرا « أن تكون امة هي أربى من امة » أي بسبب أن يكون قوم أكثر من قوم وامة أعلى من امة « فتزل قدم بعد ثبوتها » أي فتضلوا عن الرشد بعد أن تكونوا على هدى. (١)
وفي قوله : « وإذا بدلنا آية مكان آية » يعني إذا نسخنا آية وآتينا مكانها اخرى « قالوا إنما أنت مفتر » قال ابن عباس : كانوا يقولون : يسخر محمد بأصحابه يأمرهم اليوم بأمر وغدا يأمرهم بأمر وإنه لكاذب ، ويأتيهم بما يقول من عند نفسه. « ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر » قال ابن عباس : قالت قريش : إنما يعلمه بلعام وكان قينا بمكة روميا نصرانيا ، وقال الضحاك : أرادوا به سلمان الفارسي ، قالوا : إنه يتعلم القصص منه ، وقال مجاهد وقتادة : أرادوا به عبدا لبني الحضرمي روميا يقال له يعيش أو عائش صاحب كتاب ، وأسلم وحسن إسلامه ، وقال عبدالله بن مسلم : كان غلامان في الجاهلية نصرانيان من أهل عين التمر ، اسم أحدهما يسار ، والآخر جبير ، وكانا صيقلين يقرآن كتابا لهما بلسانهم ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله ربما مر بهما واستمع قراءتهما فقالوا : إنما يتعلم منهما ، ثم ألزمهم الله الحجة وأكذبهم بأن قال :
____________________
(١) مجمع البيان : ٣٨٣.