سابقا من جريان البراءة لنفي وجوب الزائد ووجوب الإتيان بالأقلّ ، إلا أنّه عند الإتيان بالأقلّ سوف يشكّ في سقوط الجامع المعلوم إجمالا من جهة أنّ الإتيان بالأقلّ يوجب سقوط التسعة على تقدير كون الجامع هو الأقلّ ، ولكنّ الإتيان بالأقلّ لا يوجب سقوط العشرة على تقدير كون الجامع هو الأكثر ، وهذا يعني أنّه عند الإتيان بالأقلّ سوف يشكّ في براءة ذمّته من الجامع ، وهذا الشكّ وإن كان مجرى للبراءة ولكنّه مجرى للاستصحاب أيضا ، لتوفّر أركانه في المقام للعلم السابق بالجامع والشكّ اللاحق في سقوطه فيستصحب بقاؤه.
والنتيجة هي وجوب الاحتياط والإتيان بالأكثر من جهة الاستصحاب الحاكم على البراءة كما سيأتي في محلّه.
وهذا الاستصحاب من القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلّي ؛ لأنّه دائر بين الفردين الطويل والقصير ، حيث إنّ الفرد القصير مرتفع جزما والفرد الطويل باق جزما ، والجامع يشكّ في كونه متمثّلا في القصير فيرتفع أو متمثّلا في الطويل فهو باق ، فيشكّ في بقائه وارتفاعه ، وحيث إنّه معلوم الحدوث ومشكوك البقاء فتجري استصحابه.
والجواب على ذلك : أنّ استصحاب جامع الوجوب إن أريد به إثبات وجوب العشرة ـ لأنّ ذلك هو لازم بقائه ـ فهذا من الأصول المثبتة ؛ لأنّه لازم عقلي لا يثبت بالاستصحاب.
وإن أريد به الاقتصار على إثبات جامع الوجوب ، فهذا لا أثر له ؛ لأنّه لا يزيد على العلم الوجداني بهذا الجامع ، وقد فرضنا أنّ العلم به لا ينجّز سوى الأقلّ ، والأقلّ حاصل في المقام بحسب الفرض.
والجواب : أنّ استصحاب جامع الوجوب لا يجري في المقام ؛ وذلك لأنّه إن أريد باستصحاب جامع الوجوب ـ بعد الإتيان بالأقلّ ـ إثبات أنّ الأكثر هو الذي اشتغلت به الذمّة ، حيث إنّ الأقلّ لم يسقط به وجوب الجامع فيتعيّن وجوب الأكثر ؛ لأنّ الجامع لا يزال باقيا ولا معنى لبقائه في الأقلّ ؛ لأنّه قد ارتفع وسقط بالإتيان به فيكون باقيا في الأكثر ، فهذا من الأصل المثبت وهو غير حجّة ؛ لأنّ إثبات وجوب الأكثر باستصحاب الجامع لازم عقلي لبقاء الجامع ، إذ المفروض أنّ الجامع مردّد بين الأقلّ