وجوبه إمّا تعيينا أو تخييرا واجب في حالة ترك ( الإطعام ) بلا شكّ ، ويشكّ في وجوبه حالة وقوع الإطعام فتجري البراءة عن هذا الوجوب ، وينتج ذلك التخيير عمليّا.
المبنى الأوّل : وهو المعروف من رجوع التخيير الشرعي إلى وجوب كلّ واحد من البدائل مشروطا بترك الآخر.
ففي مثال الخصال الثلاث يجب العتق إذا ترك الإطعام والصيام ، ويجب الصيام إذا ترك العتق والإطعام ، ويجب الإطعام إذا ترك العتق والصيام.
فإذا شكّ في مورد بوجوب العتق تعيينا أو وجوبه تخييرا بينه وبين غيره من الخصال ، فهنا يقال : إنّ وجوب العتق معلوم فيما إذا ترك الصيام والإطعام ، إمّا لكونه واجبا تعيينيّا وإمّا لكونه واجبا تخييريّا ، وأمّا إذا أطعم أو صام فسوف يشكّ في وجوب العتق لاحتمال كونه واجبا تعيينيّا ؛ لأنّه حينئذ يجب الإتيان به حتّى لو أطعم أو صام ؛ لأنّ الواجب التعييني لا يجزي غيره عنه ، إلا أنّ الشكّ في وجوب العتق حال الإطعام أو الصيام شكّ في تكليف زائد فتجري فيه البراءة ، وبذلك ينحلّ العلم الإجمالي.
وتكون النتيجة هي عدم وجوب العتق التعييني ، وهذا يعني عمليّا التخيير بين الخصال الثلاث كلّ منها مشروط بترك الآخر.
ولا يتعارض أصل البراءة عن وجوب العتق بأصل البراءة عن وجوب العدلين الآخرين ؛ إذ لا معنى لجريانها عنهما حالة جريانها في وجوب العتق ؛ لأنّ لازمها الترخيص في المخالفة القطعيّة وهي معلومة الحرمة.
والحاصل : أنّ البراءة تجري لنفي المئونة الزائدة المشكوكة ، وهذه المئونة موجودة في طرف التعيين لا التخيير ؛ لأنّ التعيين معناه أنّه لا يجزي غير العتق عنه بخلاف التخيير فإنّه يجزي غيره عنه ، ولذلك لو أطعم فسوف يتمسّك في وجوب العتق أيضا وعدم وجوبه فتجري البراءة لنفي وجوبه ، وأمّا لو ترك الإطعام والصيام فسوف يعلم بوجوب العتق قطعا على كلا التقديرين.
وقد يقال ـ كما في بعض إفادات المحقّق العراقي ـ (١) إنّ كلاّ من الوجوب
__________________
(١) نهاية الأفكار ٣ : ٢٨٨ ـ ٢٨٩.