الساعة الأولى إذن مشكوك ، والساعة الأولى متّصلة بما قبلها ، أي أنّ زمان الشكّ وهو الساعة الأولى متّصل بزمان اليقين وهو عدم الكرّيّة إلى الزوال ، وحينئذ لا مانع من جريان الاستصحاب لإثبات عدم الكرّيّة تعبّدا في الساعة الأولى بعد الزوال.
إلا أنّ هذا الاستصحاب لا يفيد في ترتيب الأثر الشرعي وهو انفعال الماء وتنجّسه ؛ وذلك لأنّ الدليل الدالّ على الانفعال إنّما يفترضه في صورة عدم الكرّيّة مع الملاقاة لا في صورة عدم الكرّيّة مطلقا وإن لم يكن هناك ملاقاة أصلا ، وهذا معناه أنّ هذا الاستصحاب لا يترتّب عليه أثر شرعي فيمتنع جريانه لذلك.
وهكذا أيضا لا يمكننا ترتيب الأثر الشرعي من جهة استصحاب عدم الملاقاة في الساعة الأولى ؛ وذلك لأنّ زمان الملاقاة وإن كان معلوما يقينا في الساعة الثانية ؛ لأنّ الملاقاة مردّدة بين الساعة الأولى أو الثانية بنحو مانعة الخلو ، فإذا كانت في الأولى فهي موجودة في الثانية بقاء ، وإذا كانت في الثانية فهي موجودة فيها حدوثا ، ولذلك فهي معلومة يقينا في الساعة الثانية ، ولكنّ هذا المقدار لا يفيد ؛ لأنّه قبل الساعة الثانية يفترض الشكّ فيها فيجري استصحاب عدمها ، وهذا معناه أنّه في الساعة الأولى تثبت عدم الملاقاة بالاستصحاب ، ويثبت بالاستصحاب الذي ذكرناه قبل قليل عدم الكرّيّة ، فلم يتحقّق موضوع الحكم الشرعي أيضا.
وإذا أخذنا عدم الكرّيّة بالاعتبار الثاني أي مقيسا ومنسوبا إلى زمان الملاقاة ، فمن الواضح أنّ الشكّ فيه إنّما يكون في زمان الملاقاة ، إذ لا يمكن الشكّ قبل زمان الملاقاة في عدم الكرّيّة المنسوب إلى زمان الملاقاة ، وإذا تحقّق أنّ زمان الملاقاة هو زمان الشكّ ترتّب على ذلك أنّ زمان الشكّ مردّد بين الساعة الأولى والساعة الثانية تبعا لتردّد نفس زمان الملاقاة في الساعتين ، وهذا يعني عدم إحراز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين ؛ لأنّ زمان اليقين ما قبل الزوال وزمان الشكّ محتمل الانطباق على الساعة الثانية ، ومع انطباقه عليها يكون مفصولا عن زمان اليقين بالساعة الأولى.
وأمّا الاحتمال الثاني : وهو ملاحظة عدم الكرّيّة مضافا ومقيسا إلى زمان الملاقاة ، والذي هو موضوع الحكم الشرعي بالانفعال ؛ لأنّه متى ما تحقّقت الملاقاة وعدم الكرّيّة معا حصل الانفعال.