التفت المجتهد إلى ذهنه ولحاظه وافترض فيه العنب المغلي ، فإنّه يحكم عليه بالغليان ، ويكون الحكم فعليّا بهذا المعنى أيضا ، ويجري استصحاب بقائه عند الشكّ فيه.
وبهذا يظهر أنّ ما ذكره المحقّق العراقي من كون الحكم المجعول فعليّا تبعا لفعليّة موضوعه في عالم الجعل واللحاظ صحيح إن نظرنا إلى الحكم المجعول بالحمل الشائع.
وما ذكره الميرزا من عدم كون الحكم فعليّا إلا بفعليّة موضوعه في الخارج صحيح أيضا إذا نظرنا إلى الحكم بالحمل الأوّلي ، إلا أنّه هنا يكفي افتراض وجود الموضوع في الخارج لا وجوده الفعلي فقط ، كما تقدّم سابقا.
ومن ذلك يعرف حال النقض المذكور ، فإنّ المجتهد يفترض تحقّق الموضوع بالكامل فيشكّ في البقاء مبنيّا على هذا الفرض ، وأين هذا من إجراء استصحاب الحكم بمجرّد افتراض جزء الموضوع؟
وبكلمة أخرى : أنّ كفاية ثبوت المجعول بتقدير وجود موضوعه في تصحيح استصحابه شيء ، وكفاية الثبوت التقديري لنفس المجعول في تصحيح استصحابه دون تواجد تمام الموضوع لا خارجا ولا تقديرا شيء آخر.
وممّا تقدّم يعرف الجواب عن النقض الذي نقضه المحقّق العراقي على الميرزا.
وحاصله : أنّ المجتهد لا إشكال في إجرائه لاستصحاب الحكم المجعول بمجرّد الافتراض والتقدير ، فيمكن للمجتهد أن يلحظ تحقّق الموضوع في ذهنه ويقدّر وجوده في الخارج فيثبت له الحكم كذلك ، ثمّ إذا شكّ في بقاء هذا الحكم أجرى استصحاب بقائه.
فالماء المتغيّر المحكوم بالنجاسة يكون حكمه فعليّا بمجرّد تصوّر وتقدير وجود الماء المتغيّر في الخارج ، فإذا افترض المجتهد زوال التغيّر حصل له شكّ في بقاء هذا الحكم فيجري استصحاب بقائه.
فهذا الاستصحاب يقول به الميرزا أيضا ، ولا يعتبر نقضا عليه ؛ لأنّه لم يرفض هذا الاستصحاب وإنّما رفض إجراء الاستصحاب فيما إذا كان المقدّر والمفترض وجوده جزء الموضوع لا تمامه.
فالعنب إنّما يتّصف بالحرمة فيما لو غلى ، وأمّا قبل أن يغلي فلا يتّصف بالحرمة ، وعليه فتقدير العنب وافتراض وجوده لا يكفي لثبوت الحكم بالحرمة وفعليّته ، بل لا بدّ