الأمر الثاني : أنّ يدّعى أن مفاد دليل الاستصحاب عبارة عن جعل الحكم المماثل على وفق المستصحب ظاهرا ، أي أنّ الشارع يجعل حكما مماثلا لمفاد دليل الاستصحاب ، فإن كان المستصحب حكما شرعيّا أو موضوعا لحكم شرعيّ أمكن جعل الحكم المماثل على وفق ذلك ؛ لأنّ الشارع يمكنه جعل الموضوع والحكم بلحاظ كونه مشرّعا دون غيرهما ، وأمّا إذا لم يكن المستصحب حكما ولا موضوعا لحكم فلا يمكن التعبّد الاستصحابي عندئذ ؛ لعدم إمكان جعل الحكم المماثل على وفق المستصحب.
والجواب عن ذلك : أنّه لا موجب لاستفادة جعل الحكم المماثل بعنوانه من دليل الاستصحاب ، بل مفاده النهي عن نقض اليقين بالشكّ ، إمّا بمعنى النهي عن النقض العملي بداعي تنجيز الحالة السابقة بقاء ، وإمّا بمعنى النهي عن النقض الحقيقي إرشادا إلى بقاء اليقين السابق ، أو بقاء المتيقّن السابق ادّعاء.
وعلى كلّ حال فلا يلزم أن يكون المستصحب حكما أو موضوعا لحكم ، بل أن يكون أمرا قابلا للتنجيز والتعذير لكي يتعلّق به التعبّد على أحد هذه الأنحاء.
وجوابه : أنّ جعل الحكم المماثل بعنوانه الخاصّ لم يرد في أدلّة الاستصحاب ، فلا يمكن استفادته منها بالخصوص ، وعليه فإمّا أن يدّعى أنّ جعل الحكم المماثل هو المستفاد من جعل الحكم الظاهري عموما ، وهذا ما تقدّم سابقا عدم صحّته ، وإمّا أن يدّعى ذلك في خصوص الاستصحاب ، وهذا لا يمكن المساعدة عليه ؛ لأنّ أدلّة الاستصحاب مفادها عدم نقض اليقين بالشكّ ، لا جعل الحكم المماثل بعنوانه.
وعدم نقض اليقين بالشكّ يوجد فيه ثلاثة احتمالات كلّها لا تتناسب مع جعل الحكم المماثل ، وهي :
١ ـ أن يكون المراد النهي الحقيقي أي الحرمة التكليفيّة ، وهي لا يمكن أن تتوجّه نحو النقض الحقيقي لليقين ، بل إلى النقض العملي بلحاظ كاشفيّة اليقين ، من أجل تنجيز الحالة السابقة بقاء ، أي الآثار التي كانت مترتّبة على الحالة السابقة ( المتيقّن ) حدوثا فهي لا تزال ثابتة بقاء.
٢ ـ أن يكون المراد الإرشاد إلى عدم القدرة على نقض اليقين ، فاليقين السابق لا يزال باقيا على حاله تعبّدا ، ولذلك لا يتمكّن المكلّف من نقضه ، وعليه فيكون الشاكّ