فمفهوم اليقين كأيّ مفهوم آخر إنّما يلحظ مرآة إلى أفراده لا إلى متيقّنه ؛ لأنّ الكاشفيّة الحقيقيّة التي هي روح هذه المرآتيّة من شئون واقع اليقين لا مفهومه.
ويرد على ذلك : أنّ اليقين المعرّف والمرآة عن المتعلّق يحتمل فيه أحد أمرين :
الأوّل : أن يكون المراد من اليقين بما هو صفة من الصفات القلبيّة النفسانيّة أي من المعاني ذات الإضافة التي تحتاج إلى متعلّق ، فيكون اليقين حاكيا ومرآة لمتعلّقه حقيقة وواقعا ؛ لأنّه لا ينفكّ عنه.
فهذا وإن كان صحيحا ولكنّه يصدق على اليقين بالحمل الشائع لا اليقين بالحمل الأوّلي.
وتوضيحه : أنّ اليقين إن لوحظ بالحمل الأوّلي فهو مفهوم يتصوّره الذهن بنحو الاستقلاليّة عن متعلّقه كسائر المفاهيم التي يتصوّرها الذهن ، فمفهوم الإنسان مثلا عبارة عن تلك الصورة الذهنيّة التي تمثّل حقيقة الإنسان التي يتركّب منها وهي الحيوان الناطق ، وهكذا مفهوم اليقين الذي يتصوّره الذهن بالحمل الأوّلي عبارة عن تلك المرتبة من التصديق والإذعان النفسي والتي هي صفة قلبيّة.
وأمّا إن لوحظ بالحمل الشائع أي بواقعه فاليقين يحتاج دائما إلى المتعلّق ، وعليه فالذي يحصل له يقين فهو يرى من خلال يقينه هذا المتعلّق أي المتيقّن ، فيكون اليقين حاكيا ومرآة للمتيقّن ، كما هو الحال بالنسبة لواقع الإنسان فإنّه يحكي عن الأفراد الخارجيّة كزيد وعمرو ... فيرى الإنسان في زيد كما يرى اليقين في المتيقّن.
وهذا يعني أنّ المرآتيّة والحكاية صفة لليقين بما هو ملحوظ بالحمل الشائع ، أي واقع اليقين لا مفهوم اليقين ، بينما في مقامنا المأخوذ في لسان الروايات هو اليقين كمفهوم ، أي تلك الصورة الذهنيّة المتصوّرة بنحو الاستقلاليّة ، وهذه لا حكاية لها عن المتيقّن وليست مرآة له ، ولذلك لا يصحّ ما ذكره صاحب ( الكفاية ) من المرآتيّة والحكاية ؛ لأنّها تثبت لليقين بالحمل الشائع أي بواقعه ، ولذا لا يمكن ترتيب المرآتيّة والحكاية على مفهوم اليقين.
ويدلّ على ذلك أنّ الظاهر من ألسنة الروايات أنّ اليقين المذكور فيها هو مفهوم اليقين ، أي تلك الصفة التي لها استحكام في النفس ، ولذلك يكون العمل بالشكّ