الأوّل : ما ذكره المحقّق النائيني رحمهالله من أنّ التكاليف إنّما تكون محرّكة للمكلّف فيما إذا كانت واصلة إليه ، وأمّا وجودها الواقعي من دون وصول فلا يكفي للتحرّك ، كما هو الحال في الأمور التكوينيّة ، فإنّ الإنسان إذا علم بوجود الأسد في مكان فإنّه يتحرّك عنه فلا يقترب من المكان ، وأمّا إذا لم يعلم بوجوده فلن يتحرّك عنه ، بل يقتحم ذلك المكان ، وهذا يعني أنّ الوجود الواقعي ليس هو المحرّك ، بل المحرّك هو الوصول والعلم.
وفي مقامنا إذا لم يعلم المكلّف بالتكليف فلن يكون لديه مقتضي التحرّك عنه فعلا أو تركا ؛ لأنّ مقتضي التحرّك كما تقدّم هو الوصول والعلم ، والمفروض انتفاؤه هنا ، وحينئذ فإن عوقب على ترك التحرّك عمّا يقتضيه التكليف كان العقاب ثابتا من دون مقتضي لثبوته.
ومن الواضح أنّ ثبوت العقاب مع عدم ثبوت موجبه ومقتضيه قبيح ، إذ لازمه العقاب على ترك التحرّك عن تكليف لا يعلم بوجوده ، وهو محال صدوره من الشارع الحكيم ، وأمّا إذا علم بالتكليف ومع ذلك لم يتحرّك عنه فهو مستحقّ للعقاب ؛ لأنّه قد ترك التحرّك عن التكليف الواصل إليه والمعلوم عنده ، فيكون العقاب ثابتا لثبوت مقتضيه وموجبه ، وبالتالي لا يكون قبيحا.
وهكذا يتّضح أنّ التحرّك فرع وجود موجب ومقتضي التحرّك ، وأنّ استحقاق العقاب مترتّب على ذلك نفيا وإثباتا ، وأنّ وصول التكليف والعلم به هو الذي يحقّق مقتضي التحرّك ، ومع عدم الوصول والعلم لا يكون مقتضي التحرّك واستحقاق العقاب ثابتا.
والجواب عنه : أنّه مصادرة على المطلوب ، أي أنّ الدليل عين المدّعى.
وتوضيح ذلك : أنّ العقل عند ما يواجه واقعة مشكوكة ينصبّ حكمه حول وجود حقّ الطاعة أو عدم وجوده ، بمعنى أنّ حقّ الطاعة الثابت للمولى بحكم مولويّته هل يشمل كلّ انكشاف للتكليف ، أم يختصّ بالتكاليف المعلومة فقط؟
فإن قيل باختصاصه بالتكاليف المعلومة كان معناه أنّ دائرة حقّ الطاعة ضيقة ، وإن قيل بشموله كان معناه أنّ دائرة حقّ الطاعة واسعة.
وحينئذ نقول : إنّ وجود مقتضي التحرّك وعدم وجوده فرع تحديد دائرة حقّ