وحينئذ تبطل منجّزيّة العلم الإجمالي الكبير بالنسبة للشبهات الأخرى التي لم يقم خبر أو أمارة أو أصل على تنجيزها ، فتكون مشكوكة بدوا ، ولذلك تجري البراءة فيها ، وهذا هو المطلوب من البراءة أي التأمين بلحاظ الشبهات المشكوكة ابتداء والتي لم يثبت تنجيزها بأمارة أو أصل ، ولا يجب فيها الاحتياط عقلا لعدم العلم الإجمالي بلحاظها.
وهذا الجواب ليس تامّا ؛ إذ كما يوجد علم إجمالي صغير بوجود التكاليف في نطاق الأمارات المعتبرة من أخبار الثقات ونحوها ، كذلك يوجد علم إجمالي صغير بوجود التكاليف في نطاق الأمارات غير المعتبرة ، إذ لا يحتمل ـ عادة وبحساب الاحتمالات ـ كذبها جميعا.
فهناك إذن علمان إجماليّان صغيران ، والنطاقان وإن كانا متداخلين جزئيّا ـ لأنّ الأمارات المعتبرة وغير المعتبرة قد تجتمع ـ ولكن مع هذا يتعذّر الانحلال.
ويرد على هذا الجواب : بأنّه كما يوجد لدينا علم إجمالي صغير ضمن نطاق أخبار الثقات ، فكذلك يوجد لدينا علم إجمالي صغير ضمن نطاق أخبار غير الثقات ، فلما ذا يقال بانحلال العلم الإجمالي الكبير في العلم الإجمالي الصغير ضمن أخبار الثقات ، ولا يقال بانحلاله ضمن أخبار غير الثقات؟!
وتوضيح ذلك : أنّنا كما ذكرنا نعلم إجمالا بوجود تكاليف إلزاميّة ضمن مجموع الشبهات ، وقلنا : إنّ هذا العلم منجّز لجميع الشبهات ، ثمّ أجيب بأنّ هذا العلم الإجمالي ينحلّ حقيقة ضمن دائرة الثقات للعلم الإجمالي بوجود تكاليف إلزاميّة فيها لا تقلّ عن التكاليف المعلومة إجمالا في العلم الإجمالي الكبير.
وهذا الكلام لا يتمّ ؛ لأنّنا أيضا نعلم بوجود تكاليف إلزاميّة ضمن أخبار غير الثقات ؛ إذ ليس كلّها مقطوعا كذبها إذ هذا بعيد بحساب الاحتمال ، ولذلك نعلم إجمالا بصدق بعضها ومطابقته للواقع ، وهذا البعض الصادق يوجد فيه تكاليف إلزاميّة ، فلما ذا لا ينحلّ العلم الإجمالي الكبير ضمن هذا العلم الإجمالي الصغير؟
ثمّ إنّ هذين العلمين الإجماليّين الصغيرين متداخلان جزئيّا ، بمعنى أنّ بعض الشبهات التي يوجد فيها خبر ثقة يثبت الإلزام كذلك يوجد فيها خبر غير ثقة يثبت