وذلك لأنّ الأمر بانقاذ الغريق مثلا مبادئه في نفس متعلّقه وهو الانقاذ ، والأمر بالصلاة مبادئه في نفس متعلّقه وهو الصلاة.
وهذا معناه أنّ الإنقاذ فيه مصلحة ملزمة وفيه محبوبيّة والصلاة فيها مصلحة ملزمة ومحبوبيّة أيضا ، ولا مانع من أن يحبّ المولى كلا هذين الأمرين أي الإنقاذ والصلاة ؛ لأنّ ملاكات ومبادئ كلّ منهما لها متعلّق غير الآخر ، فلا يوجد تضادّ أصلا بين الأمر بالإنقاذ وبين الأمر بالصلاة في هذا العالم ، ولذلك يمكن جعلهما معا والأمر بهما وإيجابهما على ذمّة المكلّف ؛ لأنّ عالم الجعل والإيجاب والتكليف يراد منه جعل الداعي للبعث والتحريك فلا مانع عقلا من أن يجعل المولى هذا الداعي على المكلّف ، فتكون هناك محرّكيّة وداعويّة مولويّة نحو الأمر بالإنقاذ ونحو الأمر بالصلاة.
ولا تضادّ بين هاتين الداعويّتين في مقام الجعل والإيجاب ؛ لأنّ الجعل والإيجاب في نفسه ليس إلا مجرّد صياغة لفظيّة إنشائيّة لإرادة المولى ، فالمهمّ هو الإرادة المولويّة. وقد قلنا : إنّه لا مانع من أن تنصبّ إرادتان من المولى إحداهما متعلّقة بالإنقاذ والأخرى بالصلاة ؛ لاختلاف الموضوع والمتعلّق.
يبقى تصوّر التضادّ في عالم الامتثال والتحرّك ، ففي هذا العالم هل يمكن أن يتحرّك المكلّف نحو الفعلين المتضادّين ، بحيث يكون المطلوب منه هو الجمع بين الضدّين أم لا يمكن ذلك؟
فنقول : إنّ التحرّك نحو إنقاذ الغريق لا يجتمع مع التحرّك نحو امتثال الصلاة ؛ لأنّ كلاّ منهما يستدعي متطلّبات تتنافى مع المتطلّبات التي يستدعيها الآخر في مقام الاشتغال والامتثال والتحرّك ، ولهذا فالمنشأ الذي يمكن تصوّره لاستحالة الأمر بالضدّين إنّما هو بلحاظ عالم الامتثال ؛ لأنّ كلّ أمر يقرّب نحو امتثال متعلّقه بقدر ما يبعّد عن امتثال الأمر الآخر (١).
__________________
(١) ولكن لا بدّ من الالتفات إلى فارق بين هذه اللحاظات ، فإنّ اللحاظين الأوّلين إذا فرض التضادّ فيهما فهو راجع إلى المولى ، بمعنى أنّ المولى لا يصدر منه الحبّ والبغض أو الملاكات المتضادّة ، ولا يصدر منه طلب الجمع بينهما في وقت واحد. وأمّا بلحاظ عالم الامتثال فهو راجع إلى المكلّف ، بمعنى أنّ المكلّف لا يمكنه امتثال الضدّين معا.