وذهب المحقق النائيني رحمهالله (١) إلى الثاني ، وهذا هو الصحيح ، وتوضيحه ضمن النقاط الثلاث التالية :
القول الثاني : ما ذهب إليه الميرزا النائيني وغيره من الأصوليّين كالميرزا الشيرازي قبله ، من أنّ الأمر بالضدّين بنحو يكون كلّ منهما أو أحدهما مشروطا بعدم الاشتغال بالآخر ممكن في نفسه وعلى طبق القاعدة والأصل ، بل الوجدان يشهد بذلك.
فمثلا إذا دار الأمر بين ضررين لا يمكن دفعهما معا فالمكلّف يختار الضرر الأقلّ ؛ لأنّ العرف والوجدان يقتضي عدم اختيار الضرر الأزيد ، بل لو اختاره لكان مدانا بالعرف ، وكذلك لو كان أمره دائرا بين واجبين متساويين أو أحدهما أهمّ من الآخر ولا يمكنه فعلهما معا ، فإنّه يختار الأهمّ لو كان موجودا أو أحد المتساويين ، وهذا معناه أنّه مخيّر بين الواجبين فكلّ واحد منهما مطلوب وإن لم يكن المجموع أو الجمع بينهما مطلوب لعدم القدرة عليه.
وعلى كلّ حال فقد أثبت الميرزا الترتّب ضمن نقاط خمس ، ولكن السيّد الشهيد يختصرها إلى ثلاث نقاط هي :
النقطة الأولى : أنّ الأمرين بالضدّين ليسا متضادّين بلحاظ عالم المبادئ ؛ إذ لا محذور في افتراض مصلحة ملزمة في كلّ منهما وشوق أكيد لهما معا ، ولا بلحاظ عالم الجعل كما هو واضح ، وإنّما ينشأ التضادّ بينهما بلحاظ التنافي والتزاحم بينهما في عالم الامتثال ؛ لأنّ كلاّ منهما بقدر ما يحرّك نحو امتثال نفسه يبعّد عن امتثال الآخر.
النقطة الأوّلى : في بيان المنشأ الذي يمكن تصوّر التضادّ فيه بالنسبة للضدّين فيقال : إنّ التضادّ بين شيئين لا بدّ أن يكون في أحد مراتب ثلاث ، وإلا فلا يكون هناك تضادّ بينهما ، وهي :
١ ـ عالم الملاك والمبادئ من الحبّ والبغض أو الشوق المولوي.
٢ ـ عالم الجعل والاعتبار والتكليف.
٣ ـ عالم الامتثال والتحرّك.
وفي مقامنا لا يوجد تضادّ بين الأمرين بالضدّين بلحاظ عالم الملاكات والمبادئ ؛
__________________
(١) فوائد الأصول ١ : ٣٣٦.