دام التحريك منتفيا فبالتالي لا اشتغال للذمّة ولا مسئوليّة ولا عقوبة ولا إدانة على شيء.
وليس ذلك إلا مجرّد اعتبار وإنشاءات لفظيّة فقط وهي سهلة المئونة ؛ لأنّ الاعتبار بمجرّده من دون أن يكون وراءه شيء ومن دون أن يكون معبّرا عن شيء حقيقي لا يعدو عن كونه مجرّد لفظ فقط.
فإن قيل : ما هي الفائدة والنكتة من إبراز الخطاب مطلقا حتّى يشمل موارد العجز ، مع أنّه في موارد العجز لن يكون لهذا الخطاب مؤثّريّة أصلا؟
كان الجواب : أنّ الفائدة من ذلك هي إظهار الملاكات والإرادة والشوق المولوي بهذا الخطاب المطلق ، وأنّها مطلقة وشاملة حتّى للعاجز بمعنى ثبوت الملاك والإرادة في موارد العجز ، ممّا يعني أنّ القدرة لم تؤخذ شرطا فيهما.
وقد تقدّم آنفا أنّ الملاك والإرادة لا يمتنع تعلّقهما بغير المقدور ذاتا أو الممتنع بالغير ، فمن أجل إبراز هذا الأمر والكشف عنه كان الخطاب والاعتبار الإنشائي مطلقا وغير مقيّد بالقدرة أيضا.
وأمّا إن كان جعل الحكم بالنحو الثاني أي بداعي البعث والتحريك ، فمن الواضح أنّ القدرة شرط فيه ؛ وذلك لأنّ البعث والتحريك للمكلّف يقتضيان إدخال الفعل في عهدته وصيرورته مسئولا عنه ومطالبا به ، ويستحقّ العقوبة على مخالفته ، وبالتالي يصبح مدانا عقلا.
وقد تقدّم أنّ القدرة شرط في التكليف في مرحلة الإدانة إذ يمتنع عقلا إدانة العاجز ؛ لأنّه غير مختار ، وما دامت المحركيّة مجعولة من أجل الإدانة أو هي مقدّمة للإدانة وسبب لها فهي مشروطة بالقدرة أيضا.
وبتعبير آخر : إنّ الداعي والهدف إن كان هو تحريك المكلّف ، فمن الواضح أنّ العاجز لا يمكنه تحريكه ولا يمكن تحرّكه عن الخطاب المولوي والجعل الشرعي ، فكان الجعل بهذا الداعي مقيّدا بحكم العقل بالقدرة.
وأمّا الصحيح : فقد تقدّم في محلّه إنّ جعل الحكم إنّما هو بداعي البعث والتحريك وليس مجرّد صياغة إنشائيّة اعتباريّة محضة ؛ وذلك لأنّ العرف يفهم من الجعل الشرعي هذا المعنى ؛ لأنّه هو المتداول في المحاورات العرفيّة بين الآمرين والمأمورين