الثاني : أن يكون الفرق بينهما في عالم الملاك والغرض ، بمعنى أنّ قصد القربة أو الامتثال ليس دخيلا في الوجوب ، بل الوجوب في التعبّدي والتوصّلي على حدّ واحد ، بمعنى أنّ الوجوب مجعول على ذات الفعل فقط ، وإنّما في الواجب التعبّدي كان الملاك والغرض منه سنخ ملاك لا يتحقّق ولا يمكن تحصيله إلا إذا جاء المكلّف بالفعل قاصدا التقرّب به أو مع قصد امتثال الأمر ، بينما في الواجب التوصّلي كان الملاك والغرض فيه يمكن تحصيله وتحقيقه سواء جاء المكلّف بالفعل بقصد القربة أو الامتثال أم لم يقصد ذلك حين إتيانه بالفعل.
فيعود الفرق حينئذ إلى كيفيّة تحصيل الملاك والغرض ، لا إلى كيفيّة جعل الوجوب.
ومنشأ الاحتمالين هو أنّ قصد القربة أو قصد امتثال الأمر ، هل يمكن أخذه في الوجوب بنحو الشرط أو الجزء أو يستحيل ذلك؟ فإن قيل بإمكان أخذه تعيّن الاحتمال الأوّل ، وإن قيل بالاستحالة تعيّن الاحتمال الثاني.
وعليه ، فالبحث ينصبّ حول إمكان أو استحالة أخذ هذا القيد في الوجوب ، وهذا بحث عقلي تحليلي يدخل ضمن البحث عن القضايا العقليّة التحليليّة ، وهو أيضا يقع صغرى لإثبات قضيّة عقليّة تركيبيّة ؛ لأنّ البحث عن الاستحالة نفيا أو إثباتا يشكّل برهانا على استحالة أخذ قصد امتثال الأمر أو إمكانه.
ولذلك قال السيّد الشهيد :
ومن هنا يتّجه البحث إلى تحقيق حال هذه الاستحالة ، وقد برهن عليها بوجوه :
الأوّل : أنّ قصد امتثال الأمر متأخّر رتبة عن الأمر ؛ لتفرّعه عليه ، فلو أخذ قيدا أو جزءا في متعلّق الأمر والوجوب لكان داخلا في معروض الأمر ضمنا ، ومتقدّما على الأمر تقدّم المعروض على عارضه ، فيلزم كون الشيء الواحد متقدّما ومتأخّرا.
البراهين التي ذكرت على الاستحالة : وهنا يذكر السيّد الشهيد ثلاثة براهين تثبت استحالة أخذ قصد القربة أو قصد امتثال الأمر في عالم الحكم والوجوب ، وهي :
البرهان الأوّل : ما يظهر من صاحب ( الكفاية ) حيث قال : ( إنّ ما لا يكاد يتأتّى