وأمّا الواجب التعبّدي : فهو الواجب الذي لا يخرج المكلّف عن عهدته ولا تبرأ ذمّته منه إلا بإتيانه بقصد القربة أو قصد امتثال الأمر لا كيفما كان.
ومثال الأوّل : أداء الدين ، فإنّه لا يشترط فيه نيّة القربة ، بل هو عبارة عن إرجاع مال الغير إليه بأي نحو كان.
ومثال الثاني : سائر العبادات ؛ كالصلاة والصيام والحجّ ، فإنّها يشترط فيها قصد القربة أو قصد الامتثال مضافا إلى إتيان أصل الفعل لا مجرّد الفعل فقط.
والكلام يقع في تحليل الفرق بين القسمين ، فهل الاختلاف بينهما مردّه إلى عالم الحكم والوجوب؟ بمعنى أنّ قصد القربة والامتثال يكون مأخوذا قيدا أو جزءا في متعلّق الوجوب التعبّدي ، ولا يكون كذلك في الوجوب التوصّلي ، أو أنّ مردّ الاختلاف إلى عالم الملاك دون عالم الحكم؟ بمعنى أنّ الوجوب في كلّ من القسمين متعلّق بذات الفعل ، ولكنّه في القسم الأوّل ناشئ عن ملاك لا يستوفى إلا بضمّ قصد القربة ، وفي القسم الثاني ناشئ عن ملاك يستوفى بمجرّد الإتيان بالفعل.
ومنشأ هذا الكلام هو احتمال استحالة أخذ قصد امتثال الأمر في متعلّق الأمر ، فإن ثبتت هذه الاستحالة تعيّن تفسير الاختلاف بين التعبّدي والتوصّلي بالوجه الثاني ، وإلا تعيّن تفسيره بالوجه الأوّل.
الفرق بين القسمين : الواجب التعبّدي هو الواجب الذي يشترط فيه قصد القربة أو قصد امتثال الأمر ، والواجب التوصّلي هو الواجب الذي لا يشترط فيه ذلك ، ولكن يتّجه البحث إلى تحليل هذا الفارق ، وهنا يوجد احتمالان :
الأوّل : أن يكون الفرق بينهما ناشئا عن عالم الوجوب والحكم ، بمعنى أنّ قصد القربة أو قصد امتثال الأمر قد أخذ قيدا أو جزءا في متعلّق الوجوب التعبّدي ، فقصد الامتثال يعتبر جزءا دخيلا من الواجب أو شرطا من شروطه ، بينما في الوجوب التوصّلي لم يؤخذ هذا الشيء لا قيدا ولا جزءا.
فالشارع عند ما أراد جعل الوجوب على الواجب التعبّدي أخذ في موضوعه ذات الفعل بالإضافة إلى هذا القيد بنحو الجزء أو الشرط ، بينما لم يأخذ ذلك في موضوع الواجب التوصّلي.