شيء آخر ، والطبيعة والماهيّة ليست مقسما للعلم والجهل ، ولذلك لا يمكن إثبات الإطلاق للعالم والجاهل كما لا يمكن إثبات التقييد بخصوص العالم.
هذا ولكن يمكن للشارع أن يتوصّل إلى نتيجة الإطلاق والتقييد ، وذلك بجعل حكم آخر وهو ما يسمّى بمتمّم الجعل ، فمن خلال هذا الجعل الثاني إمّا أن يستكشف نتيجة الإطلاق وإمّا أن يستكشف نتيجة التقييد ، فإذا ذكر الشارع متمّم الجعل وذكر فيه قيد العلم بأن قال : إنّ الحكم الأوّل مقيّد بالعالم به ثبتت نتيجة التقييد كما هو الحال بالنسبة للجهر والإخفات ، وإن لم يذكر متمّم الجعل هذا فعدم ذكره يكون دليلا على أنّ الجعل الأوّل المراد منه خصوص ما تعلّق به ، فيشمل حالتي العلم والجهل فتحصل نتيجة الإطلاق.
هذا وقد ثبت بمتمّم الجعل نتيجة الإطلاق في سائر الأحكام الشرعيّة ، ولذلك ادّعي الإجماع على اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل ، وثبت على أساسه نتيجة التقييد في بعض الموارد كالجهر والإخفات والقصر والتمام.
يبقى الكلام في حقيقة متمّم الجعل فنقول : إنّ متمّم الجعل عبارة عن أمر آخر ناشئ من نفس ملاك الأمر الأوّل ، فهو وإن كان هناك تعدّد في الأمر إلا أنّ الأمرين لهما ملاك واحد ، ولذلك لا يوجد إلا امتثال واحد وعقاب واحد على المخالفة.
ولا يقال : إنّ الأمر الثاني لمّا كان مجعولا على نحو الاستقلال فله مخالفة وامتثال غير المخالفة والامتثال للأمر الأوّل ؛ لأنّه يقال : إنّ تعدّد الأمر لو كان على أساس تعدّد الملاك للزم الإشكال ، إلا أنّه ليس كذلك بل الأمر الثاني كان لأجل بيان المراد الواقعي وبيان ما هو الملاك الثابت واقعا من الأمر الأوّل ، وليس ناشئا من ملاك استقلالي فيه ؛ لأنّ المولى لا علاج لديه من أجل تحصيل غرضه إلا بذلك ، فهناك ملاك واحد لا يمكن إبرازه إلا بأمرين.
ومن هنا كان الوجه في تسمية الجعل الثاني بمتمّم الجعل ؛ لأنّه به يتمّ الإفصاح عن الملاك ، ولا يمكن للأمر الأوّل وحده أن يكشف عن الملاك الواقعي للمولى.
وبهذا يظهر أنّ مشكلة الإهمال تنحلّ بمتمّم الجعل الذي يثبت نتيجة الإطلاق أو التقييد ، كما أنّ مشكلة تقييد الحكم بالعالم به تنحلّ أيضا بالتوصّل إليها عن طريق متمّم الجعل هذا.