استحال التقييد استحال الإطلاق أيضا ؛ لأنّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، ولكن هذا الإهمال إنّما هو بحسب عالم الدلالة والإثبات.
وأمّا بلحاظ عالم الواقع والثبوت فالشارع إمّا أن يكون قد رأى أنّ الملاك محفوظ في حالتي العلم والجهل فهذا يعني الإطلاق ، وإمّا أنّه محفوظ في حالة العلم به دون الجهل ممّا يعني أنّه مقيّد ، فالمراد الواقعي للشارع لا يخلو من الإطلاق أو التقييد ولا يتصوّر الإهمال في المراد الواقعي الجدّي في عالم الثبوت ؛ لأنّ الإهمال في عالم الملاك غير معقول.
وعلى هذا فالشارع يمكنه أن يتوصّل إلى نتيجة الإطلاق أو إلى نتيجة التقييد ، وذلك بأن يجعل حكما آخر يتكفّل إثبات أنّ الحكم الأوّل مختصّ بالعالم به إذا كان يريد التقييد ، أو إثبات أنّ الحكم الأوّل شامل للعالم والجاهل إذا كان يريد الإطلاق ، وبهذا الجعل الثاني تحصل لدينا نتيجة الإطلاق أو نتيجة التقييد ، ولكن لا يحصل لدينا الإطلاق والتقييد أنفسهما.
والوجه في ذلك هو : أنّ المقام ليس مثل سائر المقامات الأخرى التي يمكن استكشاف الإطلاق فيها لمجرّد عدم ذكر القيد على أساس مقدّمات الحكمة كما إذا قيل : ( أعتق رقبة ) أو ( أكرم العالم ) ، فإنّه يمكننا إثبات الإطلاق على أساس مقدّمات الحكمة ؛ لأنّه لو كان يريد التقييد لذكر ما يدلّ عليه مع كونه في مقام البيان والتفهيم ، فعدم ذكره للقيد دليل على إرادة الإطلاق ، إلا أنّ مقدّمات الحكمة هذه لا تجري في مقامنا وما شابهه كأخذ امتثال الأمر مثلا.
والفرق بين المقامين هو أنّ الحكم في تلك الموارد انصبّ على المقسم ؛ لأنّ الرقبة تنقسم إلى المؤمنة وغيرها وهكذا العالم ، فلمّا انصبّ على المقسم ولم يرد ما يدلّ على شيء آخر زائدا عليه استكشف أنّ مراده المقسم فقط الشامل لكلا القسمين فيكون مطلقا.
وأمّا في مقامنا فالحكم لا ينصبّ على المقسم ؛ لأنّ التقسيم إنّما يحصل بعد الحكم والأمر ، فمثلا العلم والجهل إنّما هما وصفان للأمر والحكم ، فالمكلّف إمّا أن يعلم بالحكم والأمر وإمّا أن يجهلهما ولكن علمه أو جهله بعد فرض ثبوت الأمر والحكم.
ومن الواضح أنّه حينما ثبت الأمر والحكم كان منصبّا على الطبيعة والماهيّة لا على