ففي المثال المذكور ما دام الصوم لا يبدأ إلا من حين طلوع الفجر فما هي الفائدة من جعل وجوبه من حين رؤية الهلال؟ لأنّه ما دام لا يطالب بالصوم من حين رؤية الهلال فليكن الوجوب من حين طلوع الفجر.
كان الجواب : أنّ فعليّة الوجوب تابعة لفعليّة الملاك ، أي لاتّصاف الفعل بكونه ذا مصلحة ، فمتى اتّصف الفعل بذلك استحقّ الوجوب الفعلي ، فإذا افترضنا أنّ طلوع الفجر ليس من شروط الاتّصاف بل من شروط الترتّب وأنّ ما هو من شروط الاتّصاف طلوع هلال الشهر فقط ، فهذا يعني أنّه حين طلوع الهلال يتّصف صوم النهار بكونه ذا مصلحة فيكون الوجوب فعليّا وإن كان زمان الواجب مرهونا بطلوع الفجر ؛ لأنّ طلوع الفجر دخيل في ترتّب المصلحة.
ولفعليّة الوجوب عند طلوع الهلال آثار عمليّة على الرغم من عدم إمكان امتثاله ؛ وذلك لأنّه من حين يصبح فعليّا تبدأ محرّكيّته نحو المقدّمات ، وتبدأ مسئوليّة المكلّف عن تهيئة مقدّمات الواجب.
والجواب عن الإشكال المتقدّم يرجع إلى أمرين :
الأوّل : ما ذكر في الإشكال من أنّ المولى لما ذا يجعل الوجوب فعليّا قبل زمان الواجب ، مع أنّه لا امتثال له في حينه ، وإنّما يبقى معطّلا إلى حين مجيء زمان الواجب؟
وهذا جوابه مرتبط بالملاك ، فمتى كان الملاك فعليّا صار الوجوب فعليّا؟!
والوجه في هذا الارتباط هو ما تقدّم سابقا من أنّ مبادئ الحكم عبارة عن الملاك والإرادة ، فإذا كان في الفعل مصلحة أكيدة ملزمة فسوف يحصل شوق ومحبوبيّة وإرادة مولويّة لجعله على ذمّة المكلّف ، ولذلك يتّصف بالوجوب هذا في عالم الثبوت ، ثمّ المولى يبرز هذا إلى عالم الإثبات فيعتبر الفعل على ذمّة المكلّف عن طريق صياغة إنشائيّة تقنينيّة.
وعليه ، فإذا كان الفعل ذا مصلحة اتّصف بالوجوب فعلا واستحقّ ذلك.
ففي مقامنا إذا قلنا بأنّ طلوع هلال شهر رمضان من شروط الاتّصاف وأنّ طلوع الفجر من شروط الترتّب ، كان معنى ذلك أنّ طلوع الهلال قيد في الوجوب بينما طلوع الفجر قيد في الواجب ، كما تقدّم سابقا من أنّ كلّ شروط الاتّصاف تكون