فقال المغيرة يا أمير المؤمنين قد رأيت ما كان من سفك الدماء . . . وفي يزيد منك خلف فاعقد له . فإن حدث بك حادث كان كهفا للناس . . .
قال معاوية : ارجع إلى عملك وتحدث مع من تثق إليه في ذلك وترى ونرى .
وسار المغيرة (١) حتى قدم الكوفة وذاكر من يثق إليه أمر يزيد . فأجابوا إلى بيعته . فأوفد منهم عشرة . . . وأعطاهم ثلاثين ألف درهم وجعل عليهم ابنه موسى .
وقدموا على معاوية فزينوا له بيعة يزيد . . . فقال معاوية لموسى : بكم اشترى أبوك من هؤلاء دينهم ؟ قال بثلاثين ألفاً .
قال : لقد هان عليهم دينهم (٢) . فقوى عزم معاوية على البيعة ليزيد .
فكتب إلى عماله بتقريظ يزيد ، وأن يوفدوا إليه الوفود من الأمصار . فكان فيمن أتاه محمد بن عمرو من المدينة والأحنف بن قيس في وفد أهل البصرة فتبادلوا الكلام في يزيد .
ثم قام يزيد بن المقنع العذرى فقال : هذا أمير المؤمنين ـ وأشار إلى معاوية ـ فإن هلك فهذا ـ وأشار إلى يزيد ـ ومن أبي فهذا ـ وأشار إلى سيفه .
فقال له معاوية : اجلس فأنت سيد الخطباء .
وخطب معاوية فذكر يزيد فمدحه وقال : من أحق بالخلافة منه في فضله وعقله وموضعه ! ! (٣)
__________________
١ ـ وقد علق المغيرة على ذلك فقال « لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على أمة محمد وفتقت عليهم فتقا لا يرتق أبداً » . كل ذلك في سبيل بقائه أميراً على الكوفة .
٢ ـ وقد فات معاوية أن يتذكر انه اشترى دين المغيرة بولاية الكوفة وأنه باع دينه باغتصاب خلافة المسلمين . وجميعها أمور متشابهة من حيث الأساس .
٣ ـ ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ٣ / ٢٤٩ ـ ٢٥١ . ويروى ان معاوية ـ في الجلسة التاريخية الآنفة الذكر ـ سأل الأحنف بن قيس عن رأيه في يزيد : فأجابه الأحنف : يخافكم إن صدقناكم ونخاف الله إن كذبنا . وأنت أعلم بيزيد في ليله ونهاره . . .