ولا عيبه ، وإن أخاف الصلحاء وقتل الفقهاء وأجاع الفقير ، وظلم الضعيف ، وعطل الحدود والثغور ، وشرب الخمور واظهر الفجور ! ! !
ثم ما زال الناس يتسكعون مرة ويداهنونهم مرة ، ويقاربونهم مرة ويشاركونهم مرة إلا بقية ممن عصمه الله .
حتى قام عبد الملك بن مروان وابنه الوليد وعاملهما الحجاج بن يوسف ومولاه يزيد بن أبي مسلم .
فأعادوا على البيت بالهدم وعلى حرم المدينة بالغزو .
فهدموا الكعبة واستباحوا الحرمة وحولوا قبلة واسط .
وأخروا صلاة الجمعة إلى مغيربان الشمس . فإذا قال رجل لأحدهم : اتق الله فقد أخرت الصلاة عن وقتها قتله ـ على هذا القول ـ جهارا غير ختل وعلانية غير سر .
ولا يعلم القتل على ذلك إلا اقبح من إنكاره . فكيف يكفر العبد بشيء ولا يكفر بأعظم منه ! !
وقد كان بعض الصالحين ربما وعظ الجبابرة وخوفهم العواقب وأراهم أن في الناس بقية ينهون عن الفساد في الأرض حتى قام عبد الملك بن مروان والحجاج ابن يوسف فزجرا عن ذلك وعاقبا عليه وقتلا فيه . فصاروا لا يتناهون عن منكر فعلوه .
فأحسب تحويل الكعبة كان غلطا وهدم البيت كان تأويلا ، واحسب ما رووا ـ من كل وجه ـ انهم كانوا يزعمون أن خليفة المرء في أهله ارفع عنده من رسوله إليهم (١) ، باطلا ومسموعا مولدا ! واحسب وسم أيدي المسلمين ونقش أيدي المسلمات وردهم ـ بعد الهجرة ـ إلى قراهم .
__________________
١ ـ يشير الجاحظ إلى مخاطبة الحجاج للعراقيين في إحدى خطبه « ويحكم أخليفة أحكم في أهله أكرم عليه أم رسوله اليهم ؟ » يريد بذلك تفضيل مقام الخلافة على مقام الرسالة راجع « العقد الفريد » لابن عبد ربه ٣ / ٢٥٥ .