عنها إلا الدليل اللفظي ، فلا بدّ من فرض أخذها في مدلول اللفظ لكي يتنقّح بذلك موضوع الوجوب العقلي.
وممّا ذكر يتّضح أنّ الوجوب الذي يحكم به العقل ليس موضوعه صدور طلب من المولى غير مقترن بالترخيص فقط ، بل الوجوب العقلي موضوعه أن يكون هناك ملاك ملزم لا يرضى المولى بتفويته ، بأن كان بدرجة من الأهمّية يؤذيه فواته ومخالفته. فإنّ العقل حينئذ يحكم بوجوب الامتثال والإطاعة وحرمة المخالفة ؛ رعاية لحقّ المولى وكون طاعته واجبة على عبيده.
وهذا معناه أنّ الوجوب فرع وجود مرتبة معيّنة من الملاك للطلب. فإذا كان الطلب صادرا من هذه المرتبة المعيّنة من الملاك والمبادئ حكم العقل بالوجوب ، وإن لم يكن صادرا عنها بأن كان الملاك الذي هو العلّة للطلب ذا مرتبة ضعيفة بحيث يرضى المولى بفوات طلبه ولا يضرّه مخالفته لم يحكم العقل بالوجوب. ويدلّ على ذلك أنّ المكلّف لو اطّلع على الملاك الملزم الذي لا يرضى المولى بفواته فيحكم العقل بوجوب الامتثال وحرمة المخالفة. وإن لم يصدر من المولى طلب بالفعل ، ويكون مدانا ومستحقّا للعقاب لو خالف ذلك بأن اطّلع على الملاك الإلزامي ولم يمتثله.
فموضوع الوجوب العقلي إذا هو هذه المرتبة من ملاك الطلب.
وحينئذ نقول : إنّ هذه المرتبة من ملاك الطلب الملزمة ـ والتي لا يرضى المولى بتفويت طلبه لأجلها لأنّها العلّة لطلبه ـ لا بدّ للمولى من أن يدلّ ويكشف عنها لعبده ، ولا يتركها للعبد نفسه إذا اطّلع عليها امتثل وإن لم يطّلع عليها لم يمتثل ؛ لأنّه بذلك يكون مفوّتا لغرضه بيده وهذا قبيح صدوره من الشارع الحكيم.
وهذا الكاشف والدالّ ليس هو إلا الدليل اللفظي ؛ لأنّ الشارع يتعامل مع عبيده بالتكاليف والأوامر والخطابات اللفظيّة ، فلا بدّ من فرض وجود هذه المرتبة من الملاك ضمن الدليل اللفظي. وهذا يعني أنّ اللفظ يدلّ ويكشف عن هذه المرتبة ، وحيث إنّه لا يوجد في الدليل اللفظي إلا الأمر بمادّته أو هيئته لأنّه الدالّ على طلب المولى ، فتكون هذه المرتبة موجودة في الأمر مادّة أو هيئة.
وهذا هو المقصود من الوجه الأوّل القائل بأنّ الأمر بمادّته وهيئته دالّ على الوجوب وضعا ، وبذلك يتنقّح موضوع الوجوب العقلي ؛ لأنّ المادّة والصيغة تدلاّن على الطلب