أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ ) (١).
فانظر إلى المقطع الأخير من الآية الكريمة ( أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ ) ففي سبيل أن ينتفي العذر وتزول الغفلة ، فإنّ الله تعالى يحتجّ على خلقه بالعهد والشهادة التي أخذها منهم هناك.
ويمكن لله سبحانه أن يكتفي بهذا العهد والميثاق ، ولا يرسل لهم رسلاً أو أنبياء يذكّرونهم ويرشدونهم ، ولكن الله الرحيم الشفيق يعلم بأنّ الإنسان ظلوم جهول ، يتعامل مع المحسوسات ، ويستأنس بها أكثر من تعامله واستئناسه بالغيبيات ، وإلاّ فإنّ كلّ إنسان يحسّ من نفسه ، أنّه متوجّه إلى الله تعالى قهراً ، كما بينا ذلك سابقاً بمقتضى الفطرة.
وعليه فإنّه الله سبحانه لمّا رأى أنّ خلقه بدّلوا ذلك العهد المأخوذ عليهم وما ترتّب على ذلك من مصائب وفجائع جعلتهم يهبطون من عالمهم العلوي ، ويتنزّلون من عالمهم القدسي ، ويخرجون من حدود الإنسانية إلى حدّ البهيمية ، فنسوا ذلك وغيّروه « فجهلوا حقه » ، ذلك الحق الرباني ، وهو كون الإنسان شاكراً لله تعالى مؤمناً به ، فعبدوا ما لا ينفعهم ولا يضرّهم ، من الأوثان والأصنام وغيرها ، كما عبّر عن ذلك أمير المؤمنين عليهالسلام بقوله : « واتخذوا الأنداد معه ، واجتالتهم الشياطين عن معرفته ».
إذن معرفة البشر بخالقهم موجودة وثابتة لا ريب فيها ، وهي الفطرة ، وإنما هناك الشياطين العدوّة لبني الإنسان ، والتي تريد أن توقعهم في
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٧٢.