الربوبية والمقهورية
، وأنّه مسخّر ، هو موجود ـ نفسه ـ في ذلك النجم الذي ظنّه الله ! ثمّ يرى القمر
أكبر حجماً ، وأسطع نوراً ، فيقول : « هذا ربي » وإذا به يرى بعد ذلك في القمر ما
رآه في النجم ، وفي نفسه يرفضه كربّ. ثمّ يرى الشمس فيقول : « هذا ربي هذا أكبر »
. ولكن هذا أيضاً أفل. فغسل يده من كلّ هذه الأُمور ، واستنتج استنتاجاً بسيطاً ،
وهو أن كلّ هذا الذي أراه متحرك ، ومسخّر ، وفي حالة دوران ، أي إنّ هناك من يحركه
ويُسخّره ، فرأى العالم كلاً مربوباً واحداً.
يبين القرآن أنّ تفكير الإنسان الأوّل ،
قادرٌ على الوصول إلى أنّ كل ما يراهُ حُكِمَ بحكم المربوبية ، وأنّ الربّ هو الذي
لا يتّصف بما تتّصف به أشياء العالم ، عندئذ يقول : (
وَجَّهْتُ
وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ
) ».
وهكذا نرى إبراهيم عليهالسلام يسبح في فكرٍ صافٍ ، مدفوعاً من قبل
نفسه وفطرته ، باحثاً عن مصدر وجوده في هذا الكون الرحيب . لأن روح البحث ،
والتطلع إلى ذلك الخالق الأزلي ، قد جُبلَ عليها الإنسان وعجنت بفطرته.
ولكن لا بدّ من التنويه بأن إبراهيم عليهالسلام إنما كان يحاجج قومه من خلال هذا
الاستدلال وينزل نفسه منزلة المستفهم حتى ينبّه عقول قومه إلى هذه الحقيقة ، وهي
أنّه لا يوجد ربّ مدبّر لهذا العالم إلاّ الله تعالى الخالق لكلّ ما في الكون ،
ويريد بهذه الطريقة إبطال ما كانوا يعتقدون من تأثير الكواكب في حياة الإنسان من
خلال التدبير ، فلا تكون حينئذ
__________________