وقد كان علم الطب من بين تلك العلوم أكثرها إهتماماً وعناية لديهم كما ساعدهم على هذا الأمر يومذاك أن المنصور أصيب بمرض في معدته إنقطعت من أجله شهوته للطعام ولم ينفعه العلاج بالرغم من عناية أطباء مصره وأهتمامهم في أمره فطلب إلى وزيره الربيع أن يفحص له عن طبيب حاذق يرجع إليه في علاج ما كان يجده من ألم ولما أخذ الربيع يفتش عما طلب أليه الخليفة أرشد ألى الطبيب ( جورجيس ) النصراني رئيس مارسيان أو مدرسة ( جنديسابور) وكان ماهرا حاذقا في الطب كثير التأليف والتصنيف فيه باللغة السريانية ، فبعث إليه المنصور من أحضره له بعد أن خلف ولده ( بختيشوع ) مكانه ، ولما ورد على الخليفة أكرمه ووقع عنده موقعاً حسناً لما رأى فيه من الوقار ورزانة العقل ، لا سيما وقد أبل من علته ومرضه أبلالاً سريعاً ، وشفى شفاءاً عاجلاً كاملاً بعلاجه.
ولما أراد الرجوع إلى بلده ووطنه منعه الخليفة واغدق عليه الاموال والعطايا الوافرة طمعاً في ابقائه ، فبقى في بغداد يطب المرضى مدة طويلة ، ثم ترجم إلى العربية كثيراً من كتبه الطبية ومن كتب غيره في الطب أيضاً.
وبهذه الحركة من ( جورجيس ) أخذ الكثير من الأطباء في بغداد ينقل أيضاً ويترجم من السريانية إلى العربية وذلك بعناية المنصور وبذله الأموال للمترجمين والناقلين لاسيما في الطب ، فاتسع نطاق الطب في بغداد وتكاثرت رواده وراجت التأليف ونبغ كثير من نطس الاطباء وشاعت عنهم المعاجز الطبية الكثيرة.
ولما اشتهرت مساعدة المنصور وساير الامراء والمثرين من أهل بغداد بلد العلم والمال لأصحاب العلوم رغب الكثير من أطباء ( جنديسابور ) في الانتقال إلى بغداد ، وأرسل الطبيب ( جرجيس ) على ولده ( بختيشوع ) بأمر الخليفة ثم جاء ( ماسويه ) أبو يوحنا ثم أعقبة يوحنا ، وهكذا أخذت الاطباء تتقاطر وتتوارد من سائر الأقطار إلى دار السلام ، حتى أصبحت دار الخلافة ( بغداد ) في عصر المنصورـ وهو العصر الذي عاش فيه الامام الصادق «ع» ـ كعبة العلم ومقصد رواد الفضل والأدب ومقر نقلة العلوم والفنون ، وعلى الأخص الطب الذي شاع تدريسه