وقد ذكر لنا التاريخ وأخبرتنا التراجم أن أول من فطن إلى ذلك ، وأول من اشتغل في نقل الطب وساير العلوم الدخيلة الأخرى مثل الكيميا والنجوم إلى اللغة العربية بعد تلك الفترة الطويلة ، هو خالد بن يزيد بن معاوية الاموي المدعو عند العرب ( بحكيم آل مروان ) والمتوفى سنة ٨٥ ه فانه بعد أن غلبه بنو مروان على الخلافة بعد أخيه معاوية وقد كان رجلاً طموحاً ذكياً ، إنصرف إلى إكتساب العالي عن طريق العلم ولأجل ذلك فقد إستقدم جماعة من علماء الروم منهم الراهب الرومي ( موريانوس ) وطلب إليه أن يعلمه الكيميا ، ولما تعلمها أمر بنقلها إلى العربية فنقلها له رجل يدعى ( إصطفن ) فكان هذا أول نقل في الاسلام من لغة إلى لغة.
ثم جاء من بعد إصطفن ( ماسرجويه ) فنقل كتباً كثيرة من الطب والفلسفة فكان لبني أمية بعض الآثار العلمية في الاسلام.
ثم أصاب الطب بعد خالد فترة دامت إلى أواخر الأمويين وإلى عصر السفاح من بني العباس حتى إذا ما أفضت الخلافة إلى أخيه أبي جعفر المنصور سنة ١٣٦ ه بانت طلائع وظهرت لقدومه بشائر.
فلقد كان المنصور كلفاً بأعمال التنجيم شغوفاً بالعمل بأقوال المنجمين في خلافته وقبلها حتى لم يكن يعمل عملاُ إلا بعد إستشارة منجمه الخاص ( نوبخت ) الفارسي وأبنه ( أبي سهل ) ولقد ترجموا له كثيراً من كتب التنجيم والفلك. ثم إزدادت رغبة المنصور لطلب العلوم الدخيلة وبحكم المثل المشهور القائل ( الناس على دين ملوكها ) رغب كثير من الناس إلى طلب تلك العلوم وتوسعوا في درسها والبحث عنها وفيها حتى طلب المنصور من ملك الروم أن يبعث إليه ببعض كتب التعاليم فبعث إليه بجملة كتب شتى ومن جملتها كتاب إقليدس في الهندسة وبعض كتب الطبيعيات والمجسمة وكثير من كتب الطب ، فاهتم العرب بنقلها إلى العربية وأخذوا يتهافتون عليها تهافت الفراش ، ويردون مناهلها ورود الضمآن إلى الماء الزلال.