الشيعية.
وفي الحقيقة أن هذا القرن يمر والروح العلمية فاترة الى حد بعيد ، حتى أنه بعد الشيخ المجلسي صاحب البحار المتوفى في أول هذا القرن عام ١١١٠ ه ، لم تجد واحدا من الفقهاء الأصوليين من يلمع اسمه ويستحق أن يجعل في الطبقة الأولى ، أو تكون له الرئاسة العامة ، إلا من ظهر في أواخر القرن ، كالشيخ الفتوني الجليل في النجف المتوفى عام ١١٨٣ ه ، ثم الشيخ آقا الوحيد البهبهاني في كربلاء المتوفى عام ١٢٠٨ ه ، الذي تم على يديه تحول العلم الى ناحية جديدة من التحقيق.
فيبرز شيخنا المترجم له في عنفوان معركة الاخبارية والأصولية ، وساحتها كربلاء ، وفي عنفوان معركة الدعوة الى التصوف ، وساحتها اصفهان على الاكثر ، فيكون أحد أبطال هاتين المعركتين ، بل أحد القواد الذين رفعوا راية الجهاد بمؤلفاته وتدريسه ، وساعده على ذلك انه ـ رحمهالله ـ كان متفننا في دراسة العلوم ، ولم يقتصر على الفقه والاصول ومقدماتهما ، فقد شارك العلوم الرياضية ، كالهندسة والحساب والهيئة ، وله مؤلفات فيها سيأتي ذكرها.
شخصية المترجم له واخلاقه
إن أعاظم الناس ونوابغهم لا تأتيهم العظمة والنبوغ عفوا ومصادفة ، من دون قوة كامنة في شخصيتهم أو ملكة راسخة في نفوسهم ، هي سر عظمتهم وتفوقهم على سائر الناس. وما كلمة الحظ في هذا الباب إلا تعبير مبهم عن تلك القوة التي أودعها الله تعالى في شخص النابغة. وقد تكون تلك القوة مجهولة حتى لشخص صاحبها الذي يتحلى بها ، بل على الاكثر هي كذلك ، فيندفع العبقري الى تلك القمة التي خلقت له أو خلق له بدافع تلك القوة الكامنة اندفاعا لا شعوريا ، وان كانت اعماله الجزئية التي يقوم بها هي شعورية بمحض اختياره.
وتلاحظ قوة شخصية شيخنا المترجم له في صبره وقوة إرادته وتفانيه في طلب العلم ، ثم عزة نفسه ، وان كانت هذه الفاظا عامة قد يعبر بها عن كثير من الناس ، ويصح التعبير بها بلا كذب ولا خداع ، إلا أن الدرجة الخاصة من الصبر والإرادة والحب والعزة ونحوها التي بها يمتاز الشخص النابغ تضيق اللغة عن التعبير عنها بخصوصها إلا بهذه الالفاظ العامة الدارجة وتظهر الدرجة الخاصة التى يختص بها صاحبنا من هذه الامور في ثلاث حوادث منقولة عنه :
( الاوّلى ) ـ فيما ينقل انه كان في ايام التحصيل في غاية الفقر والفاقة ـ والفقر دائما شيمة