فِيهِ وَالْبادِ ) ، (١) » فأمر الحاجب بالكفّ عنه ، فكلّما طاف الرشيد طاف الأعرابيّ أمامه ، فنهض إلى الحجر الأسود ليقبّله فسبقه الأعرابيّ إليه والتثمه ، ثمّ صار الرشيد إلى المقام ليصلّي فيه فصلّى الأعرابيّ أمامه ، فلمّا فرغ هارون من صلاته استدعى الأعرابي فقال الحجّاب : أجب أمير المؤمنين.
فقال : « ما لي إليه حاجة فأقوم إليه ، بل إن كانت الحاجة له فهو بالقيام إليّ أولى » ، قال : صدق ، فمشى إليه وسلّم عليه فردّ عليهالسلام ، فقال هارون : أجلس يا أعرابيّ؟ فقال : « ما الموضع لي ولك فتستأذنني فيه بالجلوس ، إنّما هو بيت الله نصبه لعباده ، فإن أحببت أن تجلس فاجلس ، وإن أحببت أن تنصرف فانصرف » ، فجلس هارون وقال : ويحك يا أعرابي مثلك من يزاحم الملوك؟! قال : « نعم وفيّ مستمع ».
قال : فإنّي سائلك فإن عجزت آذيتك. قال : « سؤالك هذا سؤال متعلّم أو سؤال متعنّت؟ » قال : بل سؤال متعلّم قال : « اجلس مكان السائل من المسئول وسل وأنت مسئول ».
فقال هارون : أخبرني ما فرضك؟ قال : « إنّ الفرض واحد ، وخمسة ، وسبعة عشر ، وأربعة وثلاثون ، وأربعة وتسعون ، ومائة وثلاثة وخمسون ، على سبعة عشر ، ومن اثني عشر واحد ، ومن أربعين واحد ، ومن مائتين خمس ، ومن الدهر كلّه واحد ، وواحد بواحد ».
قال : فضحك الرشيد ، فقال : ويحك أسألك عن فرضك وأنت تعدّ عليّ الحساب؟ قال : « أما علمت أنّ الدين كلّه حساب ، ولو لم يكن الدين حسابا لما اتّخذ الله للخلائق حسابا ، ثمّ قرأ ( وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ ) (٢) ».
قال : فبيّن لي ما قلت ، وإلاّ أمرت بقتلك بين الصفا والمروة ، فقال الحاجب : تهبه
__________________
(١) الحجّ (٢٢) : ٢٥.
(٢) الأنبياء (٢١) : ٤٧.