طرفه إليه ، فانقضّ على رءوس أصابعه يكدمها بأنيابه وينفخ عليها من نار جوفه وهو لا يكسر طرفه إليه ولا يحوّل قدميه عن مقامه ولا يختلجه شكّ ولا وهم في صلاته ولا قراءته ، فلم يلبث إبليس حتّى انقضّ إليه شهاب محرق من السماء ، فلمّا أحسّ به صرخ وقام إلى جانب عليّ بن الحسين عليهالسلام في صورته الأولى ، ثمّ قال : يا عليّ ، أنت سيّد العابدين كما سمّيت وأنا إبليس ، والله لقد رأيت عبادة النبيّين من عهد أبيك آدم عليهالسلام إليك ، فما رأيت مثلك ولا مثل عبادتك ، ثمّ تركه وولى وهو في صلاته لا يشغله كلامه حتّى قضى صلاته على تمامها (١).
ومنها : ما روي أنّه عليهالسلام كان قائما يصلّي حتّى وقف ابنه محمّد عليهماالسلام وهو طفل إلى بئر في داره بالمدينة بعيدة القعر فسقط فيها ، فنظرت إليه أمّه فصرخت وأقبلت نحو البئر تضرب بنفسها حذاء البئر وتستغيث وتقول : يا ابن رسول الله ، غرق ولدك محمّد عليهالسلام وهو لا ينثني عن صلاته وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر ، فلمّا طال عليها ذلك ، قالت حزنا على ولدها : ما أقسى قلوبكم يا أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآله فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلاّ عن كمالها وإتمامها ، ثمّ أقبل عليها وجلس على أرجاء البئر ومدّ يده إلى قعرها وكانت لا تنال إلاّ برشاء (٢) طويل ، فأخرج ابنه محمّدا عليهالسلام على يديه يناغي ويضحك لم يبتلّ له ثوب ولا جسد بالماء ، فقال : « هاك يا ضعيفة اليقين بالله » ، [ فضحكت لسلامة ولدها ، وبكت لقوله عليهالسلام : يا ضعيفة اليقين بالله ] (٣) ، فقال : « لا تثريب عليك اليوم لو علمت أنّي كنت بين يدي جبّار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عنّي ، فمن يرى راحما بعده » (٤).
ومنها : ما روي عن محمّد بن جرير الطبري قال : لمّا حضر عليّ بن الحسين عليهالسلام
__________________
(١) المصدر السابق ٤٦ : ٥٨ ، ح ١١ ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ١٤٦ ـ ١٤٧.
(٢) الرشاء : الحبل الذي يتوصّل به إلى الماء. « مجمع البحرين » ١ : ١٨٤ « ر ش ا ».
(٣) الزيادة أثبتناها من المصدر.
(٤) المصدر السابق : ٣٤ ـ ٣٥ ، ح ٢٩ ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ١٤٧ ـ ١٤٨.