فإن قيل : يجوز حمل النصوص على العفو عن الصغائر أو عن الكبائر بعد التوبة.
قلنا : هذا ـ مع كونه عدولا عن الظاهر من غير دليل ، ومخالفة لأقاويل من يعتدّ به من المفسّرين بلا ضرورة ـ ممّا لا يكاد يصحّ في بعض الآيات كقوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ) الآية ؛ فإنّ المغفرة بالتوبة تعمّ الشرك وما دونه ، فلا يكون (١) التفرقة بإثباتها لما دونه ، وكذا تعمّ كلّ واحد من العصاة فلا يلائم التعليق « لمن يشاء » المفيد للبعضيّة ، على أنّ في تخصيصها إخلالا بالمقصود ، أعني تهويل شأن الشرك ببلوغه النهاية في القبح بحيث لا يغفره ويغفر جميع ما سواه.
( والإجماع على الشفاعة ، فقيل : لزيادة المنافع ، ويبطل منّا في حقّه ).
اتّفق المسلمون على ثبوت الشفاعة ؛ لقوله تعالى : ( عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) (٢) ، وفسّرت بالشفاعة. ثمّ اختلفوا فذهب المعتزلة إلى أنّها عبارة عن طلب زيادة المنافع للمؤمنين المستحقّين للثواب (٣). وذهب طائفة [ إلى ] أنّ الشفاعة للعصاة من أمّة محمّد صلىاللهعليهوآله في إسقاط عقابهم.
وأبطله المصنّف بأنّ الشفاعة لو كانت لطلب زيادة المنافع للمؤمنين لكنّا شافعين للنبيّ صلىاللهعليهوآله ؛ لأنّا نطلب زيادة المنافع له ، وهو مستحقّ للثواب. والتالي باطل ؛ لأنّ الشفيع أعلى مرتبة من المشفوع له.
( ونفي المطاع لا يستلزم نفي المجاب ) إشارة إلى جواب دليل المعتزلة.
تقريره : أنّ الله تعالى قال : ( ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ ) (٤) نفى الله
__________________
الله تعالى : خذ بيده وأدخله الجنّة فإنّه كان يحبّ رجلا في الدنيا كان ذلك الرجل يحبّ العلماء فغفرت له. إلى غير ذلك من الأخبار المتكاثرة ».
(١) في المصدر : « فلا يصحّ » بدل « فلا يكون ».
(٢) الإسراء (١٧) : ٧٩.
(٣) حكاه عنهم العلاّمة في « مناهج اليقين » : ٣٦٥ ؛ والتفتازاني في « شرح المقاصد » ٥ : ١٥٧.
(٤) غافر (٤٠) : ١٨.