وحسن صورته ، فقال له : ما اسمك واسم أبيك؟ قال : « محمّد بن عليّ الرضا عليهالسلام » ، فترحّم على أبيه وساق جواده وكان معه بزاة للصّيد.
فلمّا بعد عن العمار أرسل بازا على درّاجة فغاب عنه ، ثمّ عاد من الجوّ في منقاره سمكة صغيرة وبها بقاء الحياة ، فتعجّب من ذلك غاية التعجّب ، ورجع فرأى الصبيان على حالهم ومحمّد عندهم ففرّوا إلاّ محمّدا ، فدنا منه فقال : يا محمّد ، ما في يدي؟ قال : « يا أمير المؤمنين ، إنّ الله تعالى خلق في بحر قدرته سمكا صغارا يصيدها بزاة الملوك والخلفاء فيختبر بها سلالة أهل بيت المصطفى عليهالسلام ».
فقال له : أنت ابن الرضا حقّا. وأخذه معه ، وأحسن إليه وبالغ في إكرامه ، ولم يزل مشفقا به لما ظهر له بعد ذلك من فضله وعلمه وكمال عقله وظهور برهانه مع صغر سنّه ، وعزم على تزويجه ابنته أمّ الفضل ، وصمّم على ذلك فمنعه العبّاسيّون من ذلك ؛ خوفا من أنّه يعهد إليه كما عهد إلى أبيه ، فذكر لهم إنّما اختاره لتميّزه على كافّة أهل الفضل علما ومعرفة وحلما على صغر سنّة ، فتنازعوا في اتّصاف محمّد بذلك ، ثمّ تواعدوا على أن يرسلوا إليه يحيى بن أكثم ، ووعدوه بشيء كثير إن قطع لهم محمّدا ، فحضروا للخليفة ومعهم ابن أكثم وخواصّ الدولة ، فأمر المأمون بفراش حسن لمحمّد فجلس عليه فسأله يحيى مسائل أجابه عنها بأحسن جواب وأوضحه.
فقال له الخليفة : أحسنت أبا جعفر ، فإن أردت أن تسأل يحيى ولو بمسألة واحدة فقال : « ما تقول في رجل نظر إلى امرأة أوّل النهار حراما ، ثمّ حلّت له عند ارتفاعه ، ثمّ حرمت عليه عند الظهر ، ثم حلّت له عند العصر ، ثمّ حرمت عليه في المغرب ، ثمّ حلّت له العشاء ، ثمّ حرمت عليه نصف الليل ، ثمّ حلّت له الفجر؟ ».
فقال يحيى : لا أدري ، فقال محمّد : « هي أمة نظرها أجنبيّ بشهوة وهي حرام ، ثمّ اشتراها ارتفاع النهار ، وأعتقها الظهر ، وتزوّجها [ العصر ] ، وظاهر منها المغرب ، وكفّر العشاء ، وطلّقها رجعيّا نصف الليل ، وراجعها الفجر ».